وفي صحيح البخاري وقال عمر نعم العدلان ونعم العلاوة الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون إلى المهتدون قال النووي في الحلية وروينا في سنن ابن ماجه والبيهقي بإسناد حسن عن عمرو بن حزم عن النبي ص - قال ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة وروينا في كتاب الترمذي والسنن الكبير لليبهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عزى مصابا فله مثل أجره إسناده ضعيف وروينا في كتاب الترمذي أيضا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة قال الترمذي ليس إسناده بالقوي انتهى قوله تعالى إن الصفا والمروة من شعائر الله الصفا جمع صفاة وهي الصخرة العظيمة والمروة واحدة المرو وهي الحجارة الصغار التي فيها لين ومن شعائر الله معناه معالمه ومواضع عبادته وقال مجاهد ذلك راجع إلى القول أي مما أشعركم الله بفضله مأخوذ من شعرت إذا تحسست وحج معناه قصد وتكرر واعتمر زار وتكرر مأخوذ من عمرت الموضع والجناح الإثم والميل عن الحق والطاعة ومن اللفظة الجناح لأنه في شق ومنه وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ويطوف أصله يتطوف فقوله ان الصفا والمروة الآية خبر يقتضي الأمر بما عهد من الطواف بهما وقوله فلا جناح ليس المقصود منه إباحة الطواف لمن شاءه لأن ذلك بعد الأمر لا يستقيم وإنما المقصود رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب من أن الطواف بينهما فيه حرج وإعلامهم أن ما وقع في نفوسهم غير صواب وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن ذلك في الأنصار ومذهب مالك والشافعي أن السعي بينهما فرض لا يجزى تاركه إلا العودة قال ابن العربي في أحكامه والدليل على ركنيته ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ان الله كتب عليكم السعي فاسعوا صححه الدارقطني ويعضده المعنى فإنه شعار أي معلم لا يخلو عنه الحج والعمرة فكان ركنا كالطواف انتهى ومن تطوع أي زاد برا بعد الواجب في جميع الأعمال وقال بعضهم معناه من تطوع بحج أو عمرة بعد حجة الفريضة ومعنى شاكر أي يبذل الثواب والجزاء عليم بالنيات والأعمال لا يضيع معه لعامل عمل وقوله سبحانه إن الذين يكتمون ما أنزلنا الآية المراد بالذين أحبار اليهود ورهبان النصاري الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وتتناول الآية بعد كل من كتم علما من دين الله يحتاج إلى بثه وذلك مفسر في قول النبي صلى الله عليه وسلم من سئل عن علم فكتمه الجم يوم القيامة بلجام من النار قال ابن العربي وللآية تحقيق وهو أن العالم إذا قصد الكتمان عصى وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أن معه غيره وقد كان أبو بكر وعمر لا يحدثان بكل ما سمعا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الحاجة وكان الزبير اقلهم حديثا ثم قال ابن العربي فأما من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية وأما إن لم يسأل فلا يلزم التبليغ إلا في القرآن وحده وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة التبليغ بأنه قال نضر الله أمر أسمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها انتهى من أحكام القرآن والبينات والهدى أمر محمد صلى الله عليه وسلم ثم يعم بعد كل ما يكتم من خير وفي الكتاب يراد به التوراة والانجيل ويدخل القرآن في عموم الآية واختلف في اللاعنين فقال قتادة والربيع الملائكة والمؤمنون وهذا ظاهر واضح وقيل الحشرات والبهائم وقيل جميع المخلوقات ما عدا الثقلين الجن والإنس وهذان القولان لا يقتضيهما اللفظ ولا يثبتان إلا بسند يقطع العذر ثم استثنى الله سبحانه التائبين واصلحوا أي في أعمالهم وأقوالهم وبينوا أي أمر محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار الآية هذه الآية محكمة في الذين وافوا على كفرهم واختلف في معنى قوله والناس أجمعين والكفار لا يلعنون أنفسهم فقال قتادة والربيع المراد بالناس المؤمنون خاصة وقال أبو العالية معنى ذلك في الآخرة وقوله خالدين فيها أي في اللعنة وقيل في النار وعاد الضمير عليها وإن لم يجر لها ذكر لثبوتها في المعنى ولاهم ينظرون أي لا يؤخرون عن العذاب ويحتمل أن يكون من النظر نحو قوله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة والأول أظهر لأن النظر بالعين إنما يعدى بالى إلا شاذا في الشعر وقوله تعالى والهكم اله واحد الآية إعلام بالوحدانية قال عطاء لما نزلت هذه الآية بالمدينة قال كفار قريش بمكة ما الدليل على هذا وما آيته وعلامته ونحوه عن ابن المسيب فنزل عند ذلك قوله تعالى إن في خلق السموات والأرض الآية أي في اختراعها وإنشائها والنهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس يقضى بذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم إنما هو بياض النهار وسواد الليل وهذا هو مقتضى الفقه في الإيمان ونحوها وأما على ظاهر اللغة وأخذه من السعة فهو من الأسفار وقال الزجاج في كتاب الأنواء أول النهار ذرور الشمس قال وزعم النضر بن شميل أن أول النهار ابتداء طلوع الشمس ولا يعد ما قبل ذلك من النهار قال ع وقول النبي صلى الله عليه وسلم هو الحكم والفلك السفن ومفرده وجمعه بلفظ واحد وما أنزل الله من السماء من ماء يعنى به الأمطار وبث معناه فرق وبسط ودابة تجمع الحيوان كله وتصريف الرياح إرسالها عقيما وملقحة وصرا ونصرا وهلاكا وجنوبا وشمالا وغير ذلك والرياح جمع ريح وجاءت في القرآن مجموعة مع الرحمة مفردة مع العذاب إلا في يونس في قوله سبحانه وجرين بهم بريح طيبة وهذا أغلب وقوعها في الكلام وفي الحديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هبت ريح يقول اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا وذلك لان ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء كأنها جسم واحد وريح الرحمة لينة تجيء من هاهنا وهاهنا متقطعة فلذلك يقال هي رياح وهو معنى نشر وأفردت مع الفلك لأن ريح إجراء السفن إنما هي واحدة متصلة ثم وصفت بالطيب فزال الإشتراك بينها وبين ريح العذاب وهي لفظة من ذوات الواو يقال ريح وأرواح ولا يقال أرياح وإنما يقال رياح من جهة الكسرة وطلب تناسب الياء معها وقد لحن في هذه اللفظة عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير فاستعمل الأرياح في شعره ولحن في ذلك وقال له أبو حاتم إن الأرياح لا يجوز فقال أما تسمع قولهم رياح فقال أبو حاتم هذا خلاف ذلك فقال صدقت ورجع والسحاب جمع سحابه سمي بذلك لأنه ينسحب وتسخيره بعثه من مكان إلى آخر فهذه آيات وقوله تعالى ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا الآية الند النظير والمقاوم قال مجاهد وقتادة المراد بالأنداد الأوثان كحب الله أي كحبكم لله أو كحبكم حسبما قدر كل وجه منها فرقة ومعنى كحبهم أي يسوون بين محبة الله ومحبة الأوثان ثم أخبر أن المؤمنين أشد حبا لله لإخلاصهم وتيقنهم الحق وقوله تعالى ولو ترى الذين ظلموا أي ولو ترى يا محمد الذين ظلموا في حال رؤيتهم العذاب وفزعهم منه واستعظامهم له لأقروا أن القوة لله أو لعلمت أن القوة لله جميعا فجواب لو مضمر على التقديرين وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك ولكن خوطب والمراد أمته وقرأ حمزة وغيره بالياء أي ولو يرى في الدنيا الذين ظلموا حالهم في الآخرة إذ يرون العذاب لعلموا أن القوة لله والذين اتبعوا بفتح التاء والباء هم العبدة لغير الله الضالون المقلدون لرؤسائهم أو للشياطين وتبريهم هو بأن قالوا إنا لم نضل هؤلاء بل كفروا بإرادتهم والسبب في اللغة الحبل الرابط الموصل فيقال في كل ما يتمسك به فيصل بين شيئين وقال الذي اتبعوا أي الاتباع والكرة العودة إلى حال قد كان كذلك يريهم الله أعمالهم الآية يحتمل أن يكون من رؤية البصر ويحتمل رؤية القلب أي يريهم الله أعمالهم الفاسدة التي ارتكبوها وقال ابن مسعود اعمالهم الصالحة التي تركوها والحسرة أعلى درجات الندامة والهم بما فات وهي مشتقة من الشيء الحسير الذي انقطع وذهبت قوته وقيل من حسر إذا كشف وقوله تعالى يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا الآية الخطاب عام وما بمعنى الذي وحلالا حال من الضمير العائد على ما وطيبا نعت ويصح أن يكون حالا من الضمير في كلوا تقديره مستطيبين والطيب عند مالك الحلال فهو هنا تأكيد لاختلاف اللفظ وهو عند الشافعي المستلذ ولذلك يمنع أكل الحيوان القذر قال الفخر الحلال هو المباح الذي انحلت عقدة الحظر عنه وأصله من الحل الذي هو نقيض العقد انتهى وخطوات جمع خطوة والمعنى النهي عن اتباع الشيطان وسلوك سبله وطرائقه قال ابن عباس خطواته أعماله وقال غيره آثاره ع وكل ما عدا السنن والشرائع من البدع والمعاصي فهي خطوات الشيطان وعدو يقع للمفرد والمثنى والجمع إنما يأمركم بالسوء والفحشاء الآية إنما ها هنا للحصر وأمر الشيطان إما بقوله في زمن الكهنة وإما بوسوسته والسوء مصدر من ساء يسوء وهي المعاصي وما تسوء عاقبته والفحشاء قيل الزنا وقيل ما تفاحش ذكره واصل الفحش قبح المنظر ثم استعملت اللفظة فيما يستقبح والشرع هوالذي يحسن ويقبح فكل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء وما لا تعملون قال الطبري يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوها وجعلوه شرعا وإذا قيل لهم يعني كفار العرب وقال ابن عباس نزلت في اليهود والألف في قوله سبحانه أو لو كان للاستفهام لأن غاية الفساد في الالتزام أن يقولوا نتبع آباءنا ولو كانوا لا يعقلون فقروا على التزامهم هذا إذ هذه حال آبائهم وقوة ألفاظ هذه الآية تعطى إبطال التقليد وأجمعت الأمة على إبطاله في العقائد ومثل الذين كفروا الآية المراد تشبيه واعظ الكافرين وداعيهم بالراعي الذي ينعق بالغنم أو الإبل فلا تسمع إلا دعاءه ونداءه ولا تفقه ما يقول هكذا فسر ابن عباس وعكرمة والسدي وسيبويه فذكر تعالى بعض هذه الجملة وبعض هذه ودل المذكور على المحذوف وهذه نهاية الإيجاز والنعيق زجر الغنم والصياح بها وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم الآية الطيب هنا يجمع الحلال المستلذ والآية تشير بتبعيض من إلى أن الحرام رزق وحض سبحانه على الشكر والمعنى في كل حالة وفي مصابيح البغوي عن أبي داود والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الطاعم الشاكر كالصائم الصابر انتهى قال القشيري قال أهل العلم بالأصول نعم الله تعال على ضربين نعمة نفع ونعمة دفع فنعمة النفع ما أولاهم ونعمة الدفع ما زوي عنهم وليس كل أنعامه سبحانه انتظام أسباب الدنيا والتمكن منها بل الطاف الله تعالى فيما زوى عنهم من الدنيا أكثر وإن قرب العبد من الرب تعالى على حسب تباعده من الدنيا انتهى من التحبير وقال أبو عمر بن عبد البر في كتابه المسمى ببهجة المجالس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنعم الله على عبد بنعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفره وإن الرجل ليلبس الثوب فيحمد الله فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له قال أبو عمر مكتوب في التوراة اشكر لمن أنعم عليك وأنعم على من شكرك فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا مقام لها إذا كفرت انتهى وإن من قوله إن كنتم إياه تعبدون شرط والمراد بهذا الشرط التثبيت وهز النفوس كما تقول أفعل كذا إن كنت رجلا وإنما هاهنا حاصرة ولفظ الميتة عموم والمعنى مخصص لأن الحوت لم يدخل قط في هذا العموم وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إن الله حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه انتهى من الكوكب الدري للإمام أبي العباس أحمد بن سعد التجيبي والدم يراد به المسفوح لأن ما خالط اللحم فغير محرم بإجماع ت بل فيه خلاف شاذ ذكره ابن الحاجب وغيره والمشهور أظهر لقول عائشة رضي الله عنها لو حرم غير المسفوح لتتبع الناس ما في العروق ولقد كنا نطبخ اللحم والبرمة تعلوها الصفرة انتهى وما أهل به لغير الله قال ابن عباس وغيره المراد ما ذبح للأنصاب والأوثان وأهل به معناه صيح به ومنه استهلال المولود وجرت عادة العرب بالصياح باسم المقصود بالذبيحة وغلب ذلك في استعمالهم حتى عبر به عن النية التي هي علة التحريم فمن اضطر غير باغ ولا عاد قال قتادة وغيره معناه غير قاصد فساد وتعد بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها وأصحاب هذا القول يجيزون الأكل منها في كل سفر مع الضرورة وقال مجاهد وغيره المعنى غير باغ على المسلمين وعاد عليهم فيدخل في الباغي والعادى قطاع السبل والخارج على السلطان والمسافر في قطع الرحم والغارة على المسلمين وما شاكله ولغير هؤلاء هي الرخصة قال مالك رحمه الله يأكل المضطر شبعه وفي الموطأ وهو لكثير من العلماء أنه يتزود إذا خشي الضرورة فيما بين يديه من مفازة وقفز قال ابن العربي في أحكامه وقد قال العلماء أن من اضطر إلى أكل الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل دخل النار إلا أن يغفر الله له انتهى والمعنى أنه لم يأكل حتى مات جوعا فهو عاص وكأنه قتل نفسه وقد قال تعالى ولا تقتلوا أنفسكم الآية إلى قوله ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا قال ابن العربي وإذا دامت المخصمة فلا خلاف في جواز شبع المضطر وإن كانت نادرة ففي شبعه قولان أحدهما لمالك يأكل حتى يشبع ويتضلع وقال غيره يأكل بمقدار سد الرمق وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون انتهى وقوله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب الآية قال ابن عباس وغيره المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم والكتاب التوراة والإنجيل ع وهذه الاية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختارا لذلك بسبب دنيا يصيبها وفي ذكر البطن تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم قال الربيع وغيره سمي مأكلوهم نارا لأنه يؤل بهم إلى النار وقيل يأكلون النار في جهنم حقيقة ت وينبغي لأهل العلم التنزه عن أخذ شيء من المتعلمين على تعليم العلم بل يلتمسون الأجر من الله عز وجل وقد قال تعالى لنبيه عليه السلام قل لا اسألكم عليه أجرا الآية وفي سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن وأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله قال ان كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها وفي رواية فقلت ما ترى فيها يا رسول الله قال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها انتهى وقوله تعالى ولا يكلمهم الله قيل هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضا عنهم إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين وقال الطبري وغيره المعنى لا يكلمهم بما يحبونه ولا يزكيهم أي لا يطهرهم من موجبات العذاب وقيل المعنى لا يسميهم أزكياء وقوله تعالى فما أصبرهم على النار قال جمهور المفسرين ما تعجب وهو في حيز المخاطبين أي هم أهل إن تعجبوا منهم ومما يطول مكثهم في النار وفي التنزيل قتل الإنسان ما أكفره واسمع بهم وأبصر وقال قتادة والحسن وابن جبير والربيع أظهر التعجب من صبرهم على النار لما علموا عمل من وطن نفسه عليها وتقديره ما أجرأهم على النار إذ يعملون عملا يؤدي إليها وذهب معمر بن المثنى إلى أن ما استفهام معناه أي شيء صبرهم على النار والأول أظهر وقوله سبحانه ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق الآية المعنى ذلك الأمر بأن الله نزل الكتاب بالحق فكفروا به والإشارة إلى وجوب النار لهم والكتاب القرآن وبالحق أي بالأخبار الحق أي الصادقة والذين اختلفوا في الكتاب هم اليهود والنصارى في قول السدي وقيل هم كفار العرب لقول بعضهم هو سحر وبعضهم أساطير وبعضهم مفترى إلى غير ذلك وبعيد هنا معناه من الحق والاستقامة وقوله تعالى ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية قال ابن عباس وغيره الخطاب بهذه الآية للمؤمنين فالمعنى ليس البر الصلاة وحدها وقال قتادة والربيع الخطاب لليهود والنصارى لأنهم تكلموا في تحويل القبلة وفضلت كل فرقة توليها فقيل لهم ليس البر ما أنتم فيه ولكن البر من آمن بالله وقوله تعالى وآتى المال علىحبه الآية هذه كلها حقوق في المال سوى الزكاة قال الفخر وروت فاطمة بنت قيس أن في المال حقا سوى الزكاة وتلا وآتى المال على حبه الآية وعنه صلى الله عليه وسلم لا يؤمن بالله واليوم الآخر من بات شبعان وجاره طاويا إلى جنبه انتهى قال ابن العربي في أحكامه وإذا وقع أداء الزكاة ثم نزلت بعد ذلك حاجة فإنه يجب صرف المال إليها باتفاق من العلماء وقد قال مالك يجب على كافة المسلمين فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم وكذلك إذا منع الوالي الزكاة فهل يجب على الأغنياء إغناء الفقراء الصحيح وجوب ذلك عليهم انتهى ومعنى آتى أعطى على حبه أي على حب المال ويحتمل أن يعود الضمير على اسم الله تعالى من قوله من آمن بالله أي من تصدق محبة في الله وطاعته وص والظاهر أن الضمير في حبه عائد على المال لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل انتهى قال ع والمعنى المقصود أن يتصدق المرء في هذه الوجوه وهو صحيح شحيح يخشى الفقر ويأمل الغنى كما قال صلى الله عليه وسلم والشح في هذا الحديث هو الغريزي الذي في قوله تعالى واحضرت الأنفس الشح وليس المعنى أن يكون المتصدق متصفا بالشح الذي هو البخل وفي الرقاب أي العتق وفك الأسرى والصابرين نصب على المدح أو على إضمار فعل وهذا مهيع في تكرار النعوت والبأساء الفقر والفاقة والضراء المرض ومصائب البدن وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله في السراء والضراء رواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم انتهى من السلاح وفي صحيح مسلم عن صهيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إذا أصابته سراء فشكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له انتهى وحين الباس أي وقت شدة القتال هذا قول المفسرين في الألفاظ الثلاثة تقول العرب بئس الرجل إذا افتقر وبؤس إذا شجع ثم وصف تعالى أهل هذه الأفعال البرة بالصدق في أمورهم أي هم عنده الظن بهم والرجاء فيهم كما تقول صدقني المال وصدقني الرمح ووصفهم تعالى بالتقى والمعنى هم الذين جعلوا بينهم وبين عذاب الله وقاية وقوله تعالى يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص الآية كتب معناه فرض واثبت وصورة فرض القصاص هو أن القاتل فرض عليه إذا أراد الولي القتل الاستسلام لأمر الله وأن الولي فرض عليه الوقوف عند قتل قاتل وليه وترك التعدي على غيره فإن وقع الرضا بدون القصاص من دية أو عفو فذلك مباح والآية معلمه أن القصاص هو الغاية عند التشاح والقصاص مأخوذ من قص الأثر فكان القاتل سلك طريقا من القتل فقص أثره فيها روي عن ابن عباس أن هذه الآية محكمة وفيها إجمال فسرته آية المائدة وأن قوله سبحانه الحر بالحر يعم الرجال والنساء وأجمعت الأمة على قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل وقوله تعالى فمن عفي له من أخيه شيء الآية فيه تأويلات أحدها أن من يراد بها القاتل وعفي تتضمن عافيا وهو ولي الدم والأخ هو المقتول وشيء هو الدم الذي يعفى عنه ويرجع إلى أخذ الدية هذا قول ابن عباس وجماعة من العلماء والعفو على هذا القول على بابه والتأويل الثاني وهو قول مالك أن من يراد بها الولي وعفى بمعنى يسر لا على بابها في العفو والأخ يراد به القاتل وشيء هي الدية والأخوة على هذا أخوة الإسلام والتأويل الثالث أن هذه الألفاظ في معنى الذين نزلت فيهم الآية وهم قوم تقاتلوا فقتل بعضهم بعضا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلح بينهم ويقاصهم بعضهم من بعض بالديات على استواء الأحرار بالأحرار والنساء بالنساء والعبيد بالعبيد فمعنى الآية فمن فضل له من إحدى الطائفتين على الأخرى شيء من تلك الديات وتكون عفى بمعنى فضل وقوله تعالى فاتباع تقديره فالواجب والحكم اتباع وهذا سبيل الواجبات كقوله تعالى فإمساك بمعروف وأما المندوب إليه فيأتي منصوبا كقوله تعالى فضرب الرقاب وهذه الآية حض من الله تعالى على حسن الاقتضاء من الطالب وحسن القضاء من المؤدي وقوله سبحانه ذلك تخفيف إشارة إلى ما شرعه لهذه الأمة من أخذ الدية وكانت بنو إسرائيل لا دية عندهم إنما هو القصاص فقط والاعتداء المتوعد عليه في هذه الآية هوأن يأخذ الرجل دية وليه ثم يقتل القاتل بعد سقوط
Page 134