238

وبعض المفسرين يرى أن جعل قلوبهم محل المرض من باب التعبير باسم المحل عن الحال، كما قال تعالى { واسأل القرية } ، إذ المرض هو في معتقداتهم التي لابست عقولهم، ومازجت قلوبهم، فإنهم كانوا ينطوون على الشرك وإن أبدوا خلافه.

وذكر الامام ابن عاشور في تفسيره أن النفاق منشأ لثلاثة أنواع من أصول الأمراض النفسانية، وكل أصل منها تنشأ عنه مجموعة من الأمراض الفرعية.

أولها: الكذب القولي، والشاهد عليه من القرآن قوله تعالى: { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين } ، وقوله: { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } ، وينشأ عنه الجهل، وإليه الاشارة بقوله تعالى: { ولكن لا يعلمون } ، والغباوة، وإليه الاشارة بقوله { وما يشعرون } ، ومن لازم هاتين العلتين قلة الذكاء، لأن الذكي يدرك أنه لو كذب على الناس فإن عقولهم لا تستسيغ كذبه، كما يعلم أن في الناس من هو مثله أو خير منه.

والكذب يعود فكر صاحبه الحقائق المحرفة، وإذا طال استرساله في ذلك اشتبهت عليه ولربما اعتقد ما اختلقه واقعا.

وينشأ كذلك عن هذين الداءين داء آخر وهو السفه، وهو خلل في الرأي وأفن في العقل، وإليه الاشارة بقوله تعالى { ألا إنهم هم السفهآء }.

كما يشير قوله سبحانه { في قلوبهم مرض } إلى فساد الرأي الناتج عن السفه.

والجهل من نتائجه الكفر، وإليه الاشارة بقوله تعالى: { وما هم بمؤمنين }.

والغباوة ينشأ عنها العجب والغرور ويشير إلى الأول قوله تعالى: { أنؤمن كمآ آمن السفهآء } ، وإلى الثاني قوله: { إنما نحن مصلحون }.

ثانيها: الكذب الفعلي؛ وهو الخداع، والشاهد عليه قوله سبحانه: { يخادعون الله والذين آمنوا } ، ويجر إلى أشياء، منها الفساد، وإليه الاشارة بقوله: { ألا إنهم هم المفسدون } ، وعداوة الناس، لأنهم عندما يشعرون بخداعه تتنكر له قلوبهم، وتستوحش منه نفوسهم، ومهما أظهر لهم من دلائل الاخلاص فإنهم لا ينفكون يتوجسون منه خيفة، وإلى ذلك يشير قوله تعالى حاكيا عنهم ما يلقون به شياطينهم: { قالوا إنا معكم } ، وقوله في وصفهم: { لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء } ، ومنها نكاية الناس به، لأن الفريقين يتفقان على التوقي منه والنكاية به، وإلى ذلك الاشارة بقوله تعالى: { وما يخدعون إلا أنفسهم } ، وعاقبة ذلك كله أمران:

أحدهما: في الدنيا، وهو صيرورته هزأة للناس.

Page inconnue