وإنما يتضح من خلال دراسة آيات الانفاق في القرآن الكريم أن فرضيتها اقترنت بفرضية الصلاة، أو جاءت بعدها بقليل، وإنما كانت بادىء الأمر غير منظمة، وقد كانت موكولة إلى ضمائر الأغنياء وسخائهم، مع تتابع الأمر الاجمالي بها إلى أن قامت دولة الاسلام على تربة دار الهجرة الزكية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فبينت مقاديرها وفصلت أحكامها، ولنا في هذا المقام وقفة مع الدكتور يوسف القرضاوي في قوله: " والملاحظ في السور المكية عن الزكاة أنها لم توردها بصيغة الأمر الدال على الوجوب دلالة مباشرة، ولكنها أوردتها في صورة خبرية، باعتبارها وصفا أساسيا للمؤمنين والمتقين والمحسنين، الذين يؤتون الزكاة، والذين هم للزكاة فاعلون، والذين خصهم الله بالفلاح وأولئك هم المفلحون، كما أخبر أن تركها من خصائص المشركين الذين لا يؤتون الزكاة ".
فإن هذا الاطلاق غير مسلم، بدليل ما ذكرناه آنفا من النص الصريح في الأمر بها في آخر آية من سورة المزمل المكية، ومثلها في سورة الأنعام قوله تعالى:
وآتوا حقه يوم حصاده
[الأنعام: 41]، وفي سورة الاسراء:
وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل
[الاسراء: 26]. والسورتان مكيتان أيضا.
وأما ما استند إليه الدكتور القرضاوي من قول بعضهم إن آية المزمل نزلت بالمدينة فلا يدفع ما قلناه؛ لأنه قول قائل، وهو كغيره من الأقوال يفتقر إلى ما يسنده من الدليل، ولا دليل له إلا ما اشتهر من أن فرضية الزكاة كانت بالمدينة ولم تكن بمكة، والآيات المكية المصرحة بذكر الزكاة المادحة لمن آتاها، والمتوعدة لمن فرط فيها، ترد على هذه الشهرة، ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة فصلت:
وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة
[فصلت: 6- 7]، وفي سورة النمل:
هدى وبشرى للمؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة
Page inconnue