صَدَفُ جواهر القرآن وكِسْوَتُه اللغة العربية، فانشَعَبَت منه خمسُ علوم وهي: علم القِشر والصَّدَف والكِسْوَة (١) إذْ انشَعَبَ من ألفاظه علم اللغة (٢) ومن إعراب ألفاظه علم النحو (٣) ومن وجوه إعرابه علم القِراءات (٤) ومن كيفية التصويت بحروفه علم مخارج الحروف، إذْ أولُ أجزاء المعاني التي منها يَلْتَئِمُ النطق هو الصوت، ثم الصوت بالتَّقطيع يصير حرفًا، ثم عند جمع الحروف يصير كلمة، ثم عند تَعَيُّنِ بعض الحروف المجتمعة يصير لغة عربية، ثم بكيفية تقطيع الحروف يصير مُعْرَبًا، ثم بِتَعَيُّن بعض وجوه الإعراب يصير قراءةً منسوبةً إلى القِراءات السبع (٥) ثم إذا صار كلمة عربية صحيحة مُعْرَبَةً صارت دالة على معنى من المعاني فَتَتَقَاضَى للتفسير الظاهر وهو العلم الخامس.
فهذه علوم الصدف والقشر، ولكن ليست على مرتبةٍ واحدة، بل للصَّدف وجهٌ إلى الباطن مُلاقٍ لِلدُّر، قريبُ الشَّبَهِ به لقرب الجِوار ودوام المُمَاسَّة، ووجه إلى الظاهر الخارج قريب الشَّبَهِ بسائر الأحجار، لبعد الجوار وعدم المُماسَّة، فكذلك صَدَفُ القرآن ووجهه البَرَّاني الخارج هو الصوت، والذي يتولَّى علم تصحيح مَخارِجِه في الأداء والتَّصويت صاحبُ علم الحروف، فصاحبه صاحبُ علم القشر البَرَّاني البعيد عن باطن الصدف فضلًا عن نفس الدُّرَّة، وقد انتهى الجهل بطائفة إلى أن ظنوا أن القرآن هو الحروفُ والأصوات، وبَنَوْا عليها أنه مخلوق، لأن الحروف والأصوات مخلوقة، وما أجدرَ هؤلاء بأن يُرْجَموا أو تُرْجَمَ عقولُهم، فإما أن يُعَنَّفوا أو يُشَدَّدَ عليهم، فلا يكفيهم مصيبة أنه لم يَلُحْ من عَوالهم القرآن وطبقاتِ
1 / 36