البلاغة
البلاغة في اللغة (الوُصول والأنتِهاء) يقال بلغ فلان مراده - إذا وصل إليه، وبلغ الركب المدينة - إذا انتهى اليها (١)
وَمبلغ الشيء منتهاه
وبلغ الرجل بلاغة - فهو بليغ: إذا أحسَن التّعبير عمَّا في نفسه وتقع البلاغة في الاصطلاح: وصفا للكلام، والمتكلّم فقط ولا توصف «الكلمة» بالبلاغة، لقصورها عن الرسول بالمُتكلَّم إلى غرضه، ولعدم السّماع بذلك.
بلاغة الكلام
البلاغة في الكلام: مطابقته لما يقتضيه حال الخطاب (٢) - مع فصاحة ألفاظه «مفردها ومركبها» .
_________
(١) البلاغة هي تأدية المعنى الجليل واضحًا بعبارة صحيحة فصيحة: لها في النفس أثر خلاب، مع ملاءمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه، والاشخاص الذين يخاطبون والبلاغة مأخوذة من قولهم، بلغت الغاية إذا انتهيت اليها، وبلغتها غيري - والمبالغة في الشيء الانتهاء إلى غايته - فسميت البلاغة بلاغة لأنها تنهى عن المعنى إلى قلب السامع فيفهمه، وسميت البلغة بلغة لأنك تتبلغ بها، فتنتهي بك إلى ما فوقها - وهي البلاغ أيضًا ويقال: الدنيا بلاغ، لأنها تؤديك إلى الآخرة، والبلاغ أيضًا التبليغ - ومنه: هذا بلاغ للناس - أي تبليغ - ويقال بلغ الرجل بلاغة إذا صار بليغًا، كما يقال نبل الرجل نبالة إذا صار نبيلا - قال أعرابي: البلاغة التقرب من البعيد، والتباعد من الكلفة، والدلالة بقليل على كثير - وقال عبد الحميد بن يحيى - البلاغة تقرير المعنى في الأفهام من أقرب وجوه الكلام - وقال ابن المعتز البلاغة البلوغ إلى المعنى ولم يطل سفر الكلام - وقال العتابي: البلاغة مد الكلام بمعانيه إذا قصر، وحسن التأليف إذا طال - وقال عبد الله ابن المقفع: البلاغة لمعان تجري في وجوه كثيرة - فمنها ما يكون في الاشارة، ومنها ما يكون في =
الحديث، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون في الاحتجاج، ومنها ما يكون شعرًا، ومنها ما يكون ابتداء، ومنها ما يكون جوابًا ومنها ما يكون خطبًا، ومنها ما يكون رسائل، فعامة هذه الأبواب الوحي فيها والاشارة إلى المعنى ابلغ - والايجاز هو البلاغة، فالسكوت يسمى بلاغًا مجازًا - وهي في حالة لا ينجع فيها القول، ولا ينفع فيها إقامة الحجج - إما عند جاهل لا يفهم الخطاب أو عند وضيع لا يرهب الجواب، او ظالم سليط يحكم بالهوى، ولا يرتدع بكلمة التقوى وإذا كان الكلام يعرى من الخير، أو يجلب الشر فالسكوت أولى، وقال الرشيد: البلاغة التباعد من الاطالة، والتقرب من البغية، والدلالة بالقليل من اللفظ، على الكثير من المعنى قال أحد الأدباء: ابلغ الكلام ما حسن إيجازه، وقل مجازه، وكثر إعجازه، وتناسبت صدوره وأعجازه.
(٢) مقتضى الحال - هو ما يدعو إليه الأمر الواقع، أي ما يستلزمه مقام الكلام واحوال المخاطب من التكلم على وجه مخصوص، ولن يطابق الحال إلا إذا كان وفق عقول المخاطبين، واعتبار طبقاتهم في البلاغة، وقوتهم في البيان والمنطق - فللسوقة كلام لا يصلح غيره في موضعه، والغرض الذي يبنى له، ولسراة القوم والأمراء فن آخر لايسد مسده سواه - من أجل ذلك كانت مراتب البلاغة متفاوتة، بقدر تفاوت الاعتبارات والمقتضيات، وبقدر رعايتها يرتفع شأن الكلام في الحسن والقبح، ويرتقي صعدًا إلى حيث تنقطع الاطماع، وتخور القوى، ويعجز الانس والجن أن يأتو بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وتلك مرتبة الأعجاز التي تخرس عندها ألسن الفصحاء لو تاقت إلى العبارة: وقد عرف بالخبر المتواتر أن القرآن الكريم نزل في أرقى العصور فصاحة، وأجملها بلاغة ولكنه سد السبل أمام العرب عند ما صاح عليهم صيحة الحق، فوجفت قلوبهم، وخرست شقاشقهم، مع طول التحدي وشد النكير (وحقت للكتاب العزيز الكلمة العليا) .
1 / 40