وتُسُعدني في غَمرَة بعدَ غمرَة ... سبوحٌ لها منها عليها شواهد (١)
ولبست خراسانُ التي كان خالدٌ ... بها أسدِ إذ كَان سيفًا أميرها (٢)
والشمسُ طالعة ليست بكاسِفةٍ ... تبكى عليك نُجومَ الليل والقمر (٣)
أرضٌ لها شَرَفٌ سوَاها مثلها ... لو كان مثلك في سِواها يوجَدُ
والمجدُ لا يرضى بأن ترضى بأن ... يَرضى المعاشر منك إلاَّ بالرِّضا
في رفع عَرش الشَّر ع مثلك يَشرعُ
ومن لم يذُد عن حوضه بسلاحه ... يُهَدَّم ومن لم يظلم الناس يُظلِم (٤)
مُتحَيرين فباهِتٌ مُتعَجِّبٌ ... ممَّا يَرى أون ناظرٌ متأمِّلُ (٥)
فأصبحت بعد خطِّ بهجتها ... كأنَّ قفرًا رسومها قلَما (٦)
وما أرضَى لمُقلتِهِ بحلم ... إذا انتبهت توهَّمه ابتِشاكا (٧)
فصاحة المتكلم
فصاحة المتُكلِّم: عبارةٌ عن المَلكة (٨) التي يقتدر بها صاحبها على
_________
(١) معنى البيت: وتسعدني بالفوز بالغنائم والنجاة في شدة بعد شدة فرس سبوح أي حسنة العدو لا تتعب رابكها، فكأنها تسبح على الماء.
(٢) خالد - وأسد: علمان - والتعقيد فيه نشأ من تقديم أسد الذي هو جزء مما أضيف إليه إذ.
(٣) أي والشمس ليست بكاسفة نجوم الليل وهي تبكي عليك، والقمر يبكي عليك أيضًا - ففيه تعقيد نشأ من الفصل بين الصفة التي هي كاسفة، ومفعولها الذي هو نجوم بحملة «تبكي عليك» .
(٤) فيه تعقيد معنوي، حيث كنى بالظلم عن المحافظة على الحقوق - وهو بعيد.
(٥) باهت بمعنى مدهوش (لغة رديئة) واللفظ العربي المستغمل بهت الرجل فهو مبهوت.
(٦) أي فأصبحت بعد بهجتها قفرا، كأن قلما خط رسومها.
(٧) المقلة العين، والحلم الرؤيا التي يراها النائم، وابتشاك الكذب، قال الصاحب لم يسمع الابتشاك في شعر قديم ولا محدث.
(٨) أي كيفية وصفة من العلم راسخة وثابتة في نفس صاحبها يكون قادرًا بها على أن يعبر عن كل ما قصده من أي نوع من المعاني كالمدح والذم والرثاء وغير ذلك بكلام فصيح، فاذًا المدار على الاقتدار المذكور سواء وجد التعبير أو لم يوجد - وأن من قدر على تأليف كلام فصيح في نوع واحد من تلك المعاني لم يكن فصيحًا - وانه لا يكون فصيحًا إلا إذا كان ذا صفة من العلم راسخة فيه وهي المسماة «بالملكة» يقتدر بها على أن يعبر عن أي معنى قصده بكلام فصيح أي خال عن الخلل في مادته «وذلك بعدم تنافر كلماته» وعن الخلل في تأليفه «وذلك بعدم ضعف تأليفه» وعن الخلل في دلالته على المعنى التركيبي «وذلك بعدم التعقيد اللفظي والمعنوي» فان كان شاعرًا اتسع أمامه ميدان القول في جميع فنون الشعر - من نسيب وتشبيب ومديح وهجاء ووصف ورثاء وعتاب واعتذار وأشباه ذلك - وإن كان ناثرًا حاك الرسائل المحلاة، والخطب الممتعة الموشاة، في الوعظ، والارشاد، والحفل والأعياد.
1 / 38