وكقول أبي تمَّام في المديح:
كأنَّه في اجتماع الرُّوح فيه لَهُ في كلِّ جارحةٍ من جسمِهِ رُوحُ
السادس - «تتابعُ الإضَافات» كون الاسم مضافا إضافةً مُتداخلة غالبًا، كقول ابن بابك:
حمامَةَ جَرعا حَومةِ الجَندَلِ لسجَعِي فأنتِ بمراى من سُعادَ ومَسمع (١)
وملخص القول: إنَّ فصاحة الكلام تكون بخُلوَّه من تنافر كلماته ومن ضعف تأليفه، وتعقيد معناه، ومن وضع ألفاظه في غير المواضع اللائقة بها.
تطبيق
بين العيوب التي أخلَّت بفصاحة الكلام فيما يأتي؟
لك الخيرُ غيري رَامَ من غيرك الغنى ... وغيري بغير اللازقيَّة لاحق
وازورَّ مَن كانَ له زائرًا ... وعافَ عافى العُرف عِرفانُه (٢)
أنَّى يكونُ أبا البرايا آدمٌ ... وأبوكَ والثَّقَلاَنِ أنتَ محمدُ (٣)
ومن جاهل بي وهُوَ يجهَلُ جهلة ... ويَجهل عِلمي أنه بيَ جاهل
وقَلقلت بالهمَّ الذي قَلقَلَ الحَشا ... قَلاَقلَ همّ كلَّهنَّ قَلاَقلُ
وما مِثلهُ في النَّاس إلا مُمَلَّكًا ... أبو أمّهِ حتى أبوه يقاربُه (٤)
_________
(١) ففيه إضافة حمامة إلى جرعا وهو تأنيث الأجرع وهو المكان ذو الحجارة السود، أو مكان الرمل الذي لا ينبت شيئا «وجرعا» مضاف إلى «حومة» وهي معظم الشيء «وحومة» مضاف إلى «الجندل» بسكون النون وهو الحجر، والمراد به هنا مكان الحجارة، فهو بمعنى الجندل بفتح النون وكسر الدال - وقوله «فأنت بمرأى من سعاد ومسمع، أي أنت بحيث تراك سعاد وتسمع كلامك - يقول: اسجعي يا حمامة أرض قفرة سبخة، فان سعاد تراك وتسمعك.
(٢) العيب في تنافر الكلمات - والمعنى انحرف عنه من كان يزوره، وكره طالب الاحسان معرفته.
(٣) يريد كيف يكون آدم أبا البرايا وأبوك محمد وأنت الثقلان أي الأنس والجن - يعني أنه قد جمع ما في الخليقة من الفضل والكمال - وقد فصل بين المبتدأ والخبر وهما أبوك محمد، وقدم الخبر على المبتدأ تقديما قد يدعو إلى اللبس في قوله «والثقلان وأنت» على أنه بعد هذا التعسف لم يسلم كلامه من سخف وهذر.
(٤) يريد الفرزدق مدح إبراهيم بن اسماعيل خال هشام بن عبد الملك - وما مثله في الناس حي «أحد» يقاربه «يشابهه» إلا مملكا، أبو أمه أبوه - فقدم المستثنى على المستثنى منه - وفصل بين مثل وحي وهما بدل ومبدل منه وبين أبو أمه وأبوه وهما مبتدأ وخبر- وبين حي ويقاربه وهما نعت ومنعوت، ولا يفصل بين كل منهما بأجنبي. والمعنى: وليس مثل إبراهيم في الناس أحد يشبهه في الفضائل إلا ابن اخته هشام - فضمير أمه عائد على المملك، وضمير أبوه عائد على إبراهيم الخال.
1 / 36