آية، نعى عليهم فيها خبثهم، ومكرهم، وفضحهم وسفههم، واستجهلهم واستهزأ بهم، وتهكم بفعلهم، وسجل بطغيانهم وعمههم، ودعاهم صمًا بكمًا عميًا وضرب لهم الأمثال الشنيعة فقال:
﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨)﴾.
أجمع أهل التأويل، على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق، وأن هذه صفتهم، وقد مرت الإشارة إلى هذا في مفتتح تفسير هذه السورة، ومما ذكر إجمالًا هناك، ما يليق بنا هنا أن نشير إلى شيء من تفصيله، وهو أن الله تعالى لما جمع لرسوله أمره في المدينة التي هي دار هجرته، وجعل كلمته هي العليا وكلمة مخالفيه هي السفلى، فأعز الله المسلمين، فقهروا من كان بها من أهل الشرك من عبدة الأوثان، وأذلوا من كان بها من أهل الكتاب الذين لم يذعنوا لما جاء به ﷺ، أظهر أحبار يهود المدينة لرسول الله ﷺ الضغائن؛ وأبدوا له العداوة حسدًا وبغيًا، إلا نفرًا منهم هداهم الله للإسلام فأسلموا، ووافقهم سرًا على معاداة النبي ﷺ، [قوم من المنافقين] (١) كانوا قد عتوا في شركهم وجاهليتهم، وظاهروهم على ذلك خفاء غير جهار، حذرًا من القتل على أنفسهم، والسباء من رسول الله ﷺ وأصحابه وركونًا إلى اليهود لما هم عليه من الشرك، وسوء البصيرة بالإسلام، فكان منهم ما قص الله علينا من قصصهم في هذه الآيات، تبكيتًا لهم ولمن كان على شاكلتهم، معاديًا لهذا الدين القويم باطنًا، ومدعيًا للتمسك به ظاهرًا.
وجوّز أهل المعاني في ﴿من﴾ أن تكون موصوفة، فيكون المعنى: ومن الناس ناس يقولون آمنا، وعليه فاللام في الناس للجنس، أتى بها للتنبيه على أن الصفات المذكورة تنافي الإنسانية، فينبغي أن يجهل كون المتصف بها من الناس، ويتعجب منه، وأن تكون موصولة، واللام للعهد، كقوله: ﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ [التوبة: ٦١]، ولكن هذا يعترض بأن يقال: كيف يجعلون بعضًا من الذين كفروا
_________
(١) كان في العبارة اضطراب، وسبق قلم من المؤلف- ﵀ بتعريف المنافقين أوجزناه بهذه الجملة.
1 / 67