موضع رفع على الفاعلية، ويصح أن يكون ﴿أأنذرتهم﴾ في موضع رفع على الابتداء، و﴿سواء﴾ خبرًا مقدمًا، بمعنى: سواء عليهم إنذارك وعدمه، والجملة خبر لـ ﴿إن﴾، وصح جعل الفعل هنا مبتدأ، لأن الفعل أريد به الحدث المدلول عليه ضمنًا على الاتساع، فصار كالاسم في الإضافة والإسناد إليه كقوله تعالى: ﴿يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩] وقول بعض العرب: "تسمع بالمُعَيدي خير من أن تراه" (١)، والهمزة هنا للتسوية، وضابطها: أنها الداخلة على جملة يصح حلول المصدر محلها، والإنذار هو: التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي، وجعل الرازي هذه الآية دليلًا على صحة تكليف ما لا يطاق، وقرر وجه الدليل بقوله: إنه تعالى كلف هؤلاء الذين أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون، بالإيمان ألبتة والإيمان يعتبر فيه تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنهم لا يؤمنون قط، فقد صاروا مكلفين بأن يؤمنوا بأنهم لا يؤمنون قط، وهذا تكليف بين النفي والإثبات.
وقال أيضًا: إنه تعالى عاب على الكفار، أنهم حاولوا فعل شيء على خلاف ما أخبر الله عنه في قوله: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الفتح: ١٥]، فثبت أن القصد إلى تكوين ما أخبر الله عن عدم تكوينه، قصد لتبديل كلام الله، وذلك منهي عنه، ثم ههنا أخبر الله عنهم بأنهم لا يؤمنون ألبتة، فمحاولة الإيمان منهم، تكون قصدًا إلى تبديل كلام الله، وذلك منهي عنه، وترك محاولة الإيمان يكون أيضًا مخالفة لأمر الله فيكون الذم حاصلًا، على الترك والفعل، قال: وهذا الكلام هو الهادم لأصول الاعتزال.
والحق: أن التكليف بالممتنع لذاته، وإن جاز عقلًا من حيث إن الأحكام لا تستدعي غرضًا غير الامتثال، لكنه غير واقع للاستقراء، والإخبار بوقوع الشيء أو عدمه، لا ينفي القدرة عليه، كإخباره سبحانه وتعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره.
وفائدة الإنذار، بعد العلم بأنه لا ينجع، إنما هو إلزام الحَجة، وحيازة الرسول فضل الإبلاغ، ولهذا قال ﴿سواء عليهم﴾، ولم يقل: سواء عليك، كما
_________
(١) هو من أمثال العرب.
1 / 64