نزولًا حقيقيًا، فلذلك اشترط الله علينا في كتابه،: أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل على الأنبياء كتبًا فيها شرائعه وأحكامه، وأن ذلك التنزيل صحيح، وأنه أنزل هذا الكتاب على محمد ﷺ، نزولًا حقيقيًا، والمؤمن من صدق بجميع ما فيه، تصديقًا تفصيليًا، لأنه هو الذي يجب علينا العمل بما أمر به، والتباعد عما نهى عنه فيه.
ولما كان الإيمان بالبعث من الدين بمكان عظيم، بينه بالتقديم، إظهارًا لمزيد الاهتمام، فقال: ﴿وبالآخرة﴾ التي هي دار الجزاء، ومحل التجلي وكشف الغطاء، ونتيجة الأمر، ﴿هم يوقنون﴾، أي: يعلمون ذلك علمًا صافيًا من شوائب الشك والشبهة، مقترنًا بالاستدلال.
ولما كان الإيقان لا يكون إلا بعد الشك، لم يوصف به الباري تعالى، وكذلك لم توصف به العلوم الضرورية، وفي الآية تعريض بكل من لم يؤمن بالمعاد، الذي وصفه تعالى بقوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤]، وإشارة إلى أن كل من لم يوقن به لا يكون مؤمنًا.
ولما أخبر تعالى عن أفعال المتقين الظاهرة، من أنهم هم الذين يقيمون الصلاة، ويحافظون على خشوعها، ومعانيها، فيتحلون لأجلها بكل خير، ويتخلون عن كل شر، حتى تصير صلاتهم تنهاهم عن الفحشاء والمنكر، وينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، والأعمال الباطنة من الإيمان بالغيب وبما أنزل على الأنبياء، وباليوم الآخر، وبما يكون فيه من ثواب وعقاب وحساب، أخبر بثمرة تلك الأعمال فقال:
﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾.
أي: أن الموصوفين بتلك الصفات، يستحقون الوصف بأنهم متمكنون من الهدى، ومستقرون عليه، ومستمسكون به، فشبهت حالهم بحال من اعتلى على الشيء وتمكن منه، تمكنًا جعله في قبضته، فهم متمكنون من هدى عظيم، مُنحوه وأُعطوه من ربهم الذي هو خالقهم، ومثله لا يحصل إلا باستفراغ الفكر، وإدامة النظر في حجج القرآن وبراهينه، والمواظبة على محاسبة النفس في العمل، وأتى بـ ﴿هدى﴾ منكرًا، ليفيد نوعًا مبهمًا لا يقدر قدره، قال "عون بن عبد الله": "الهدى
1 / 58