قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ - وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: ٥٧ - ٥٨] .
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ الْفَرْقَ الْمَانِعَ مِنَ الْإِلْحَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] .
وَبَيَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَائِسِينَ مَا قَاسُوهُ إِلَّا جَدَلًا مَحْضًا لَا يُوجِبُ عِلْمًا ; لِأَنَّ الْفَرْقَ حَاصِلٌ بَيْنَ الْفَرْعِ وَالْأَصْلِ، فَإِنَّ الْأَصْنَامَ إِذَا جُعِلُوا حَصَبًا لِجَهَنَّمَ كَانَ ذَلِكَ إِهَانَةً وَخِزْيًا لِعَابِدِيهَا مِنْ غَيْرِ تَعْذِيبِ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ، بِخِلَافِ مَا إِذَا عُذِّبَ عِبَادُ اللَّهِ الصَّالِحُونَ بِذَنْبِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ تَعَالَى، لَا سِيَّمَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ سَلَفِهِمْ وَخَلَفِهِمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْلُقُ وَيَأْمُرُ إِلَّا لِحِكْمَةٍ، وَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا فَيُنْقِصُهُ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَلَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، بَلْ وَلَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ رَسُولٍ إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: