تظهر الناظرة بأنفها الكبير المقوس الذي يشبه أنف جدها. رأسها ملفوف بطرحة بيضاء. بين أصابعها قلم طويل مدبب كالإبرة. رئيسة الحكيمات ترتدي وجه ناظرة المدرسة. بين نهديها سلسلة تتدلى منها صفارة. تنفخ فيها فينبعث صوت حاد ممطوط كالمزمار. يظهر على الفور أربعة من التمورجية داخل المرايل البيضاء.
لم تكن تستسلم حتى يذهب عنها العقل في غيبوبة. ربما هو المخدر في الإبرة. أو أن أحدا يضربها فوق رأسها بقبضة حديدية وتغيب عن العالم بما يشبه النوم أو الموت. ينفصل عظمها عن جسمها، إلا خلية واحدة عاقلة تظل عالقة متشبثة بفروة الرأس. تدرك بها أنهم يحملونها فوق نقالة لها عجلات. قدماها ويداها مربوطة بالحبال. يسيرون بها في ممر طويل مظلم. صوت العجلات يجري فوق البلاط. من تحت جفونها المغلقة ترى السقف. أجرب مشقق سقطت منه أجزاء. أشكال غريبة مرسومة. جسد رجل له رأس عجل، وامرأة لها ذيل سمكة مثل جنية البحر. رأسها يهتز مع اهتزاز العجلات. ارتطم رأسها بالباب وهم يدخلونها إلى الغرفة. أرقدوها فوق منضدة باردة تغطيها طبقة من المشمع. ربطوها في أرجل المنضدة بحبل. وضعوا بين أسنانها قطعة مربعة من المطاط، لفوا حول رأسها حزاما من الجلد له سلك طويل، ينتهي بفيشة سوداء.
وفجأة بدأ جسمها يتقلص. ذراعاها وساقاها تنتفض تحت الحبال. كالفرخة المذبوحة المربوطة في الأرض. صوتها لا يخرج رغم أنها تصرخ. أسنانها تصطك بصوت عال. زبد أبيض كرغوة الصابون يخرج من فمها، ثم يكف جسمها عن الحركة. ترتخي ذراعاها بجوارها. ذراع منهما تنتفض فوق حافة المنضدة قبل أن تسقط. تتدلى في الهواء بجوار جسمها وتهتز مثل بندول الساعة.
امتدت يد الرئيسة وأمسكت ذراعها. أعادته فوق المنضدة إلى جوار جسمها. زحفت أصابعها إلى معصمها تجس النبض. « لب دب لب دب لب دب.»
الدقات تحت ضلوعها قوية. لها إيقاع منتظم. كاللحن القديم الراقص. أوراق الشجر تتراقص مع الهواء ، وسنابل القمح. يسري اللحن في أذنيها ناعما كصوت أمها. تهدهدها في السرير الهزاز. - هوه نامي نينة هوه ... هوه ...
تفتح عينيها وترى وجه أمها من حوله طرحة بيضاء. المقلتان سوداوان يطفو فوقهما الماء. تربت على كتفها وتهمس بصوت مألوف: جنات!
امرأة أخرى
يسري الصوت في أذنيها كحفيف الهواء. يمشي فوق جفونها المغلقة ناعما كصوت أمها. تهدهدها في السرير الهزاز، تغني لها قبل أن تنام: هووه ... نامي نينا هوووه ... وتسقط في النوم كأنما تغرق في بحر دافئ. تسبح كالسمكة ثم تفرد جناحيها وتطير فوق الماء. كالفراشة تصفق بجناحيها تحت أشعة الشمس، والسماء زرقاء صافية. تجري فوق العشب بغير حذاء. سنابل القمح تتراقص مع الهواء. رائحة زرع أخضر في أنفها، وهي تجري لا تتوقف. من خلفها صوته يطاردها ... كلمة واحدة تنطلق في ظهرها كالرصاصة: يا ساقطة!
تنكفئ وهي تجري فوق وجهها. تتحسس الأرض من تحتها.
أين السرير العريض؟ والستارة الشفافة؟ وزكريا؟
Page inconnue