قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لقد سمعت منك ولكني لم أفهم عنك، وإنك لتحدثني بالألغاز منذ حين، فماذا تعني وإلام تريد؟
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: إن حب الاستطلاع إن نفع في بعض الوقت فقد يضر في بعضه الآخر، وما عليك أن تفهم شيئا وتغيب عنك أشياء! إنما هي مرايا تنصب للناس، فلينظر فيها من يشاء وليعرض عنها من يشاء، وربما كان الإعراض عنها خيرا من النظر فيها؛ فقد ينظر فيها من يحب الاستطلاع مثلك، فيسوءه ما يرى لأنه يرى نفسه.
ضمائر
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: ألا تحدثني عن هذه الضمائر التي تفعل ما تشاء، ثم تستتر وراء أفعالها، وجوبا مرة، وجوازا مرة أخرى؛ فهي دانية نائية، وبادية خافية، وهي ملحوظة غير ملفوظة، ومعقولة غير مقولة، وهي على ذلك تكلف الأساتذة والتلاميذ هما ثقيلا، وعناء طويلا!
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: ما أنت وهذه الضمائر البريئة النقية! إنما هي بنات الوهم، قد فرضها العلماء رياضة لعقول الطلاب، على التحليل والإعراب، وهي لا تؤذي أحدا من قريب أو بعيد. فإذا علمت علمها، وذلك يسير؛ فدعها وشأنها، وتحدث عن ضمائر أخرى أشد في حياة الناس خطرا، وأبعد في أعمالهم أثرا، تستخفي في أعماق النفوس، عابسة تشيع الابتسام المريب، ومظلمة تنشر الضوء المخيف.
قال الطالب الفتى لأستاذه الشيخ: لقد عدت إلى ما دأبت عليه من الألغاز، فوضح لي بعض ما تقول!
قال الأستاذ الشيخ لتلميذه الفتى: ما تقول في ضمائر الأطباء حين يعودون المرضى، وفي ضمائر المرءوسين حين يتلقون أمر الرؤساء، وفي ضمائر الطلاب حين يسمعون دروس الأساتذة، وفي ضمائر بعض الأصدقاء حين يبتسمون للأصدقاء؟
وكنت حاضر هذا الحديث، فتلوت قول الله عز وجل:
وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا .
جحود
Page inconnue