Le Côté Émotionnel de l'Islam
الجانب العاطفي من الإسلام
Genres
ترك المعاصى واجب يقينا، ومن الخير ترك ما يقرب منها حذرا من الوقوع فيها، وهذه حيطة يتذرع بها أولو العزم من الناس، فإن الذى يكره الرذيلة. يجعل بينه وبينها حجاب، ويختط منهجا لحياته بعيدا عن مظانها وعن أصحابها، وبذلك يؤمن الانزلاق إليها ويتحصن من أسباب الإغراء التى تكثر قريبا منها. والأصل فى ذلك ما رواه النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الحلال بين والحرام بين، وبينهما متشابهات، لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله فى أرضه محارمه. ألا وان فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب " . والحديث يضرب المثل للبعد عن الشبهات بما نألفه فى حياتنا من أحوال الرؤساء. فإن لكل منهم مقرا يتربع فيه وحول هذا المقر ساحة واسعة يحظر الاقتراب منها، وينتشر الحراس حولها. هذه المساحة المجاورة للمقر هى الحمى، وكأنها استحكامات خارجية للمقر نفسه، ولذلك أعطيت حكمه، ومنع اعتداؤها. وقد جرت العادة أن يمضى الناس لشأنهم بعيدا عن هذه الأسوار وما وراءها، إذ لا غرض لهم فى القرب منها. ولماذا يتسكعون حولها فيتعرضون للعنت. 15 ص والله عز وجل وله المثل الأعلى بين أن له فى أرضه حمى يجب تهيبه، وهذا الحمى يتمثل فى المحرمات، التى نهى عنها، والكيس من باعد بين نفسه وبين هذه المحرمات، ضنا بشرفه عن التلوث، وسيرته عن الاعوجاج. ثم إن الحلال المحض والحرام المحض قد بينت أدلتهما، واتضحت حكمة التحليل والتحريم فيهما: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى، يعظكم لعلكم تذكرون. بيد أن هناك أمورا أخذت من جانب الحلال شيئا ومن جانب الحرام شيئا، فإذا تأملها الناظر وجد لها الوجهين المتضاربين، وتساءل: أى الناحيتين يسلك؟. والمؤمن الصالح يرجح هنا الحظر على الإباحة ضمانا لبراءة عرضه ودينه. وسيره مع الحزم فى هذه الميادين يرسخ قدمه فى طريق الحق ويجعله قصيا عن أسباب الإغواء والإغراء. أما التهاون فربما بدأ خفيف الأثر لكنه قد يجر بعد إلى ما لا يليق. والروايات الأخرى لحديث الحلال والحرام تدل على ذلك. فلأبى داود أن الرسول قال: " إنه من يرتع حول الحمى يوشك أن يخالطه وإن من يخالط الريبة يوشك أن يجسر " وفى رواية النسائى " فمن ترك ما شبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما شك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان " وفى رواية الطبرانى " الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك شبهات، فمن أوقع بهن، فهو قمن أن يأثم، ومن اجتنبهن فهو أوفر لدينه... ". فى الأمور المعتادة: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه، وذلك جرى على منهج الإسلام فى التيسير لا التعسير، ولا عجب فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بعثت بالحنيفية السمحة السهلة". أما فيما يتصل بالخير والشر والجمال والقبح، وما يرضى الله وما يسخطه، فإن مقتضى الحزم أن يحصن المرء نفسه بمزيد من الحيطة فيترك شيئا من الحلال القريب من الحرام كراهية للحرام وما يتصل به، وعن عطية السعدى "لا يبلغ العبد أن يكون في المتقين حتى يدع ما لا بأس به، حذرا لما به بأس ". وعن حذيفة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع " . 158
Page 145