Le Côté Émotionnel de l'Islam
الجانب العاطفي من الإسلام
Genres
وتمر بالبشر مآزق شتى، إذا استحكمت عليهم حلقاتها ناشدوا الله العفو والرحمة، وإذا احتوتهم سعة الحرية نسوا وجحدوا (قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون) . والواقع أن الناس أمام هذا الإفضال المتكرر صنفان: صنف غافل القلب غليظ الرين، تمر به الأفراح والأتراح دون وعى، وكأنه لم يدع الله إلى ضر مسه، بل يظن أن ما يمر به من بؤس ونعمى طبيعة الحياة ويقول: (قد مس آباءنا الضراء والسراء). أى تلك عادة الدنيا، وحالة الزمان!!. وهذا صنف كفور لا خير فيه ولا دين له... وصنف آخر يتأمل فى غزارة النعم التى تنهمر من المكثر الوهاب. ويعرف حق صاحبها فى أن تحفظ وترعى، فيطوى فؤاده على تقديرها وإعزاز مرسلها، ولا يزال هذا الشعور يشرح صدره كلما جدت منة ومنن الله تتجدد ولا تفنى فيكسبه هذا الشعور الموصول حب الله، والرضا عنه والتعلق به. وللحب داع آخر. إن النفس الإنسانية تبهرها العظمة ويعجبها العظماء، ويسرها الإقبال عليهم، والتودد إليهم والتنويه بآثارهم. وكم من عبقرى لم نر شخصه طوينا القلوب على محبته، والحماس له لأن أبصارنا تعلقت بمواهبه الجليلة، وامتيازه الرائع، ففعلت صورته الباطنة بنا، ما تفعله صور الجمال الحسى بألباب العشاق. ولو أن الناس لفتتهم هذه الحقائق، وسيرهم منطقها باطراد لكان لهم مع الله شأن آخر... أطلعنى أحد الناس على صورة رائقة للشمس، وهو تغرب، وأخذ يطرى الرسام العبقرى الذى خلقها بريشته. وكانت الصورة رائعة حقا! بدت فيها الشمس وهى تلم أشعتها من فوق السطوح 223 والقمم، وتتأهب لوداع الأحياء إلى ملتقى آخر!! ومن ورائها آفاق معصفرة احمرت فيها حواشى السحب، واستقرت فيها إلى حين فترة الانتقال بين إقبال الليل وإدبار النهار..!! قلت: هذه صورة جميلة، خطتها يد ماهرة، تستحق الثناء. لكن لماذا يعجب الناس براسم الصورة على الورق؟ ولا يتجهون بأبصارهم وبصائرهم إلى صانع الأصل الذى احتواه الفضاء الرحب، ودارت فيه أجرام ضخمة، وتأنقت فيه الطبيعة الحية، وتحركت فيه الأرض كثيرا حول نفسها وقليلا حول الشمس، وجرت فيه الشمس مدى لا ندرى كنهه ولا نسبر غوره!!. إن الأصل نفسه فى الشروق الزاهى، أو فى الغروب الدامى، على اختلاف الليل والنهار يستحق التأمل الذكى، ويستحق بعد ذلك وقبله أن تتجه الأفئدة إلى بارئ السموات والأرض تسجد لجلاله وتسبح بحمده. وإلى الأصل المنقوش فى صفحات الكون لا إلى الرسم المصغر على وجوه الأوراق. نظر " محمد " عليه الصلاة والسلام إلى بدايات الليل، ونهايات النهار ثم رد الأشياء إلى مالكها الحق، ونسبها إلى صاحبها الأصيل قائلا: "اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لى ". والعجب للناس: ينظر أحدهم إلى تمثال من حجر أتقن ناحته إضفاء بعض الملامح البشرية عليه، ثم يروحون وألسنتهم تلهج بمدحه. أما مبدع هذا الجسم الحى فقلما يكترثون له، بل فيهم من يجحد وجوده، وينتهك حرماته. وما أبعد البون بين صخرة هذب ظاهرها على نحو معين، وعضلات من لحم ودم وعظم وعصب، تمور خلاياها بالحياة أخذا وردا، فلو وضعت إصبعك على جزء ما من هذا الجسم ثم تأملت ما تحتها لعلمت أن ألوف الشعيرات تسرى فيها بالدماء ويتفاعل فيها الزفير والشهيق، وتتولد الطاقة من احتراق الأغذية وطرد نوع من الهواء الكربون واستقبال نوع آخر الأوكسجين. وشىء آخر، أطراف هذا الجهاز الحسى وذيوله التى لا آخر لها، والتى تجعل الجسم كله يهتز لوخزة شوكة تصيب أى ناحية فيه. إن التأمل فى النفس الإنسانية يجعل المرء يمد بصره إلى أعلى قائلا مع الملائكة: نسبح بحمدك ونقدس لك، ومع هذا فإن صانع ذلكم الإعجاز يلقى من بعض عباده 224
Page 214