79

Le Jami' des règles du Coran

الجامع لاحكام القرآن

Chercheur

أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش

Maison d'édition

دار الكتب المصرية

Numéro d'édition

الثانية

Année de publication

١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م

Lieu d'édition

القاهرة

ووجوه إعجاز القرآن عَشْرَةٌ: مِنْهَا النَّظْمُ الْبَدِيعُ الْمُخَالِفُ لِكُلِّ نَظْمٍ مَعْهُودٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَفِي غَيْرِهَا، لِأَنَّ نظمه ليس من نظم الشعر في شي، وَكَذَلِكَ قَالَ رَبُّ الْعِزَّةِ الَّذِي تَوَلَّى نَظْمَهُ:" وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ أُنَيْسًا أَخَا أَبِي ذَرٍ قَالَ لِأَبِي ذَرٍ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ؟ قَالَ يَقُولُونَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ، وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ، قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ «١» الشِّعْرِ فَلَمْ يَلْتَئِمْ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. وَكَذَلِكَ أَقَرَّ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَحَرٍ وَلَا بشعر لَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:" حم" فُصِّلَتْ، عَلَى مَا يَأْتِي بيانه هناك «٢»، فَإِذَا اعْتَرَفَ عُتْبَةُ عَلَى مَوْضِعِهِ مِنَ اللِّسَانِ وموشعه مِنَ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، بِأَنَّهُ مَا سَمِعَ مِثْلَ الْقُرْآنِ قَطُّ كَانَ فِي هَذَا الْقَوْلِ مُقِرًّا بِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ لَهُ وَلِضُرَبَائِهِ مِنَ الْمُتَحَقِّقِينَ بِالْفَصَاحَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّكَلُّمِ بِجَمِيعِ أَجْنَاسِ الْقَوْلِ وَأَنْوَاعِهِ. وَمِنْهَا: الْأُسْلُوبُ الْمُخَالِفُ لِجَمِيعِ أَسَالِيبِ الْعَرَبِ. وَمِنْهَا: الْجَزَالَةُ الَّتِي لَا تَصِحُّ مِنْ مَخْلُوقٍ بِحَالٍ، وَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فِي سُورَةِ" ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ «٣» " إِلَى آخِرِهَا، وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:" وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ «٤» " إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:" وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ «٥» " إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: فَمَنْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ ﷾ هُوَ الْحَقُّ، عَلِمَ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَزَالَةِ لَا تَصِحُّ في خطاب غيره،. لا يَصْحُّ مِنْ أَعْظَمِ مُلُوكِ الدُّنْيَا أَنْ يَقُولَ:" لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «٦» " وَلَا أَنْ يَقُولَ:" وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ «٧» ". قَالَ ابْنُ الْحَصَّارِ: وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ مِنَ النَّظْمِ، وَالْأُسْلُوبِ، وَالْجَزَالَةِ، لَازِمَةُ كُلِّ سُورَةٍ، بَلْ هِيَ لَازِمَةُ كُلِّ آيَةٍ، وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ يَتَمَيَّزُ مَسْمُوعُ كُلِّ آيَةٍ وَكُلِّ سُورَةٍ عَنْ سَائِرِ كَلَامِ الْبَشَرِ، وَبِهَا وَقْعُ التَّحَدِّي وَالتَّعْجِيزُ، وَمَعَ هَذَا فَكُلُّ سُورَةٍ تَنْفَرِدُ بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ، مِنْ غير أن

(١). أقراء الشعر: أنواعه وطرقه وبحوره وأنحاؤه. [.....] (٢). راجع ج ١٥ ص ٣٣٧. (٣). راجع ج ١٧ ص ١. (٤). راجع ج ١٥ ص ٢٧٧. (٥). راجع ج ٩ ص ٣٧٦. (٦). راجع ج ١٥ ص ٣٠٠. (٧). راجع ج ٩ ص ٢٩٦.

1 / 73