Le Jami' des règles du Coran
الجامع لاحكام القرآن
Enquêteur
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
Maison d'édition
دار الكتب المصرية
Édition
الثانية
Année de publication
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
Lieu d'édition
القاهرة
وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُظْهِرُونَهُ مِنَ الْإِيمَانِ الَّذِي تثبت لهم به أحكام المسلمين من المناكح وَالتَّوَارُثِ وَالْغَنَائِمِ وَالْأَمْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ بِمَثَابَةِ مَنْ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَاسْتَضَاءَ بِهَا وَرَأَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَّقِيَهُ وَأَمِنَ مِنْهُ، فَإِذَا طَفِئَتْ عَنْهُ أَوْ ذَهَبَتْ وَصَلَ إِلَيْهِ الْأَذَى وَبَقِي مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ لَمَّا آمَنُوا اغْتَرُّوا بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَصِيرُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى الْعَذَابِ الْأَلِيمِ كَمَا أَخْبَرَ التَّنْزِيلُ:" إِنَّ الْمُنافِقِينَ «١» فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ" [النساء: ١٤٥] وَيَذْهَبُ نُورُهُمْ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ:" انْظُرُونا نَقْتَبِسْ «٢» مِنْ نُورِكُمْ" [الحديد: ١٣]. وَقِيلَ: إِنَّ إِقْبَالَ الْمُنَافِقِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَلَامَهُمْ مَعَهُمْ كَالنَّارِ، وَانْصِرَافَهُمْ عَنْ مَوَدَّتِهِمْ وَارْتِكَاسِهِمْ عِنْدَهُمْ كَذَهَابِهَا. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا. قَوْلُهُ:" نَارًا" النَّارُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ مِنَ النُّورِ وَهُوَ أَيْضًا الْإِشْرَاقُ. وَهِيَ مِنَ الْوَاوِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ فِي التَّصْغِيرِ: نُوَيْرَةٌ، وَفِي الْجَمْعِ نُورٌ وَأَنْوَارٌ وَنِيرَانٌ، انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا. وَضَاءَتْ وَأَضَاءَتْ لُغَتَانِ، يُقَالُ: ضَاءَ الْقَمَرُ يَضُوءُ ضَوْءًا وَأَضَاءَ يضئ، يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا. وَقَرَأَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّمَيْقَعِ: ضَاءَتْ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَالْعَامَّةُ بِالْأَلِفِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَضَاءَتْ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ ... دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى نَظَّمَ الْجِزَعَ ثَاقِبُهُ «٣»
(مَا حَوْلَهُ) " مَا" زَائِدَةٌ مؤكدة. وقيل: مفعولة بأضاءت. و" حوله" ظَرْفُ مَكَانٍ، وَالْهَاءُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِإِضَافَتِهِ إليها. و(ذَهَبَ) وَأَذْهَبَ لُغَتَانِ مِنَ الذَّهَابِ، وَهُوَ زَوَالُ الشَّيْءِ. (وَتَرَكَهُمْ) أَيْ أَبْقَاهُمْ. (فِي ظُلُماتٍ) جَمْعُ ظُلْمَةٍ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ:" ظُلْمَاتٍ" بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْأَصْلِ. وَمَنْ قَرَأَهَا بِالضَّمِّ فَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الِاسْمِ والنعت. وقرا أشهب الْعُقَيْلِيُّ:" ظُلَمَاتٍ" بِفَتْحِ اللَّامِ. قَالَ الْبَصْرِيُّونَ: أَبْدَلَ مِنَ الضَّمَّةِ فَتْحَةً لِأَنَّهَا أَخَفُّ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ:" ظُلَمَاتٍ" جَمْعُ الْجَمْعِ، جَمْعُ ظُلَمٍ. (لَا يُبْصِرُونَ) فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، كَأَنَّهُ قَالَ: غَيْرُ مُبْصِرِينَ، فَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى هَذَا على" ظلمات".
[سورة البقرة (٢): آية ١٨]
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)
(١). راجع ج ٥ ص ٤٢٤.
(٢). راجع ج ١٧ ص ٢٤٥.
(٣). الجزع (بفتح الجيم وكسرها): ضرب من الخرز. وقيل: هو الخرز اليماني، وهو الذي فيه بياض وسواد، فشبه به الأعين.
1 / 213