Le Jami' des règles du Coran
الجامع لاحكام القرآن
Enquêteur
أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش
Maison d'édition
دار الكتب المصرية
Numéro d'édition
الثانية
Année de publication
١٣٨٤ هـ - ١٩٦٤ م
Lieu d'édition
القاهرة
خِلَافَ مَا أَبْطَنُوهُ مِنَ الْكُفْرِ، لِيَحْقِنُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ نَجَوْا وَخَدَعُوا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ. وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَصْلُ المخدع فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْفَسَادُ، حَكَاهُ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ. وَأَنْشَدَ:
أَبْيَضُ اللَّوْنِ لَذِيذٌ طَعْمُهُ ... طَيِّبُ الرِّيقِ إِذَا الرِّيقُ خَدَعْ «١»
قُلْتُ: فَ" يُخادِعُونَ اللَّهَ" عَلَى هَذَا، أَيْ يُفْسِدُونَ إِيمَانَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالرِّيَاءِ. وَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى مَا يَأْتِي. وَفِي التَّنْزِيلِ:" يُراؤُنَ النَّاسَ
«٢» ". [النساء: ١٤٢] وَقِيلَ: أَصْلُهُ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ مَخْدَعُ الْبَيْتِ الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ الشَّيْءُ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ. وَتَقُولُ الْعَرَبُ: انْخَدَعَ الضَّبُّ فِي جُحْرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) نَفْيٌ وَإِيجَابٌ، أَيْ مَا تَحِلُّ عَاقِبَةُ الْخَدْعِ إِلَّا بِهِمْ. وَمِنْ كَلَامِهِمْ: مَنْ خَدَعَ مَنْ لَا يُخْدَعُ فَإِنَّمَا يَخْدَعُ نَفْسَهُ. وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْخِدَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْبَوَاطِنَ، وَأَمَّا مَنْ عَرَفَ الْبَوَاطِنَ فَمَنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الْخِدَاعِ فَإِنَّمَا يَخْدَعُ نَفْسَهُ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ إِذْ لَوْ عَرَفُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ لَا يُخْدَعُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﵇ أَنَّهُ قَالَ: (لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يَخْدَعُهُ اللَّهُ وَنَفْسَهُ يَخْدَعُ لَوْ يَشْعُرُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يُخَادِعُ اللَّهَ؟ قَالَ: (تَعْمَلُ بِمَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ وَتَطْلُبُ بِهِ غَيْرَهُ). وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِدْعِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ هُوَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ" [البقرة: ١٥]. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو:" يُخَادِعُونَ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ، لِيَتَجَانَسَ اللَّفْظَانِ. وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ عَامِرٍ:" يَخْدَعُونَ" الثَّانِي. وَالْمَصْدَرُ خِدْعٌ (بِكَسْرِ الْخَاءِ) وَخَدِيعَةٌ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو زَيْدٍ. وَقَرَأَ مُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ:" يُخَدِّعُونَ اللَّهَ" (بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ) عَلَى التَّكْثِيرِ. وَقَرَأَ أَبُو طَالُوتَ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شَدَّادٍ وَالْجَارُودُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ، عَلَى مَعْنَى وَمَا يُخْدَعُونَ إِلَّا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ" [الأعراف: ١٥٥] أي من قومه.
(١). قاله سويد بن أبي كاهل. يصف ثغر امرأة.
(٢). راجع ج ٥ ص ٤٢٢
1 / 196