مَع ابْن رَجَبٍ في تخريج الحَدِيثِ
استطاع ابن رجب أن يعطينا بين دفتي هذا الكتاب تراثا علميا ضخمًا، وثروة حديثية طائلة.
ولقد رأيناه في تخريج الحديث وما يتعلق ببيان درجته، وضبط رواته وعدالة نقلته، كالملاح الماهر يغوص في محيط المصنفات الحديثية، ويمخر عباب فن الجرح والتعديل، فيستخرج ما يتعلق بالحديث وإسناده من لآلئ ودرر حتى يقف بالقارئ عند مرفأ الحقيقة؛ حيث يستروح الوجدان برد الطمأنينة، ويستمتع العقل بثلج اليقين.
* * *
وابن رجب بما منحه الله من موهبة نادرة، وبما اكتسب من ثقافة حديثية واسعة يرتاد هذا المجال عن تمكن واقتدار.
لكن هل أبرز ابن رجب في كتابه هذا كل ما لديه من خبرة ومن معرفة؟ ثم ما هو الطابع العام له في تخريج هذه الأحاديث الخمسين وما حشد معها من أحاديث وآثار؟
والجواب المنصف عن هذا لا يستبين إلا بالتحليل الدقيق لهذه الأمور التالية، وموقف ابن رجب منها:
١ - تتبع مصادر الحديث لدى من أخرجه في مصنفه.
٢ - عزو الحديث إلى هذه المصادر، ونسبته إلى راويه.
٣ - النص عند كل حديث على درجته، ووقف القارئ على ضعفه أو قوته.
١ - تتبع مصادر الحديث:
في هذه الناحية لم يعن ابن رجب بالنص على مصادر الحديث كلها، فهو عندما يورد حديثًا ما، ويقول مثلا: خرجه "البخاري ومسلم" أو أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، يكون مراده الإشارة إلى مصادر للحديث قد تكون هي المصادر الوحيدة، وقد لا تكون، حيث يُروَى الحديث في مصادر أخرى سواها.
ونستطيع أن نقول، إن ابن رجب لا يجهد نفسه في تخريج الحديث، وتتبع مصادره، أو لا يهتم بالنص على هذه المواضع، وحسبه أن يذكر بعض هذه المصادر، بالقدر الذي يطمئن القارئ إلى أن للحديث أصلا صحيحًا.
ونذكر على سبيل المثال: الحديثَ الذي أورده من رواية أبي موسى الأشعري رضي
1 / 14