Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
[المائدة: 7] قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال التي حكيناها عمن رويناها عنه وجه ومذهب من التأويل. فأما وجه تأويل من تأول قوله: { كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم } أي لم تكونوا شيئا، فإنه ذهب إلى نحو قول العرب للشيء الدارس والأمر الخامل الذكر: هذا شيء ميت، وهذا أمر ميت يراد بوصفه بالموت خمول ذكره ودروس أثره من الناس. وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه: هذا أمر حي، وذكر حي يراد بوصفه بذلك أنه نابه متعالم في الناس كما قال أبو نخيلة السعدي:
فأحييت لي ذكري وما كنت خاملا
ولكن بعض الذكر أنبه من بعض
يريد بقوله: «فأحييت لي ذكري»: أي رفعته وشهرته في الناس حتى نبه فصار مذكورا حيا بعد أن كان خاملا ميتا. فكذلك تأويل قول من قال في قوله: { وكنتم أموتا } لم تكونوا شيئا: أي كنتم خمولا لا ذكر لكم، وذلك كان موتكم، فأحياكم فجعلكم بشرا أحياء تذكرون وتعرفون، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم كالذي كنتم قبل أن يحييكم من دروس ذكركم، وتعفي آثاركم، وخمول أموركم ثم يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها ونفخ الروح فيها وتصييركم بشرا كالذي كنتم قبل الإماتة لتعارفوا في بعثكم وعند حشركم.
وأما وجه تأويل من تأول ذلك أنه الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد، فإنه ينبغي أن يكون ذهب بقوله: { وكنتم أموتا } إلى أنه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم. وذلك معنى بعيد، لأن التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف وفرط من إجرامهم لا استعتاب واسترجاع. وقوله جل ذكره: { كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا } توبيخ مستعتب عباده، وتأنيب مسترجع خلقه من المعاصي إلى الطاعة ومن الضلالة إلى الإنابة، ولا إنابة في القبور بعد الممات ولا توبة فيها بعد الوفاة. وأما وجه تأويل قول قتادة ذلك: أنهم كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم. فإنه عنى بذلك أنهم كانوا نطفا لا أرواح فيها، فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها. وإحياؤه إياها تعالى ذكره: نفخه الأرواح فيها وإماتته إياهم بعد ذلك قبضه أرواحهم، وإحياؤه إياهم بعد ذلك: نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور ويبعث الخلق للموعود. وأما ابن زيد فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك، وأن الإماتة الأولى عند إعادة الله جل ثناؤه عباده في أصلاب آبائهم بعد ما أخذهم من صلب آدم، وأن الإحياء الآخر: هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم، وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب والمصير في البرزخ إلى اليوم البعث، وأن الإحياء الثالث: هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة. وهذا تأويل إذا تدبره المتدبر وجده خلافا لظاهر قول الله الذي زعم مفسره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا:
ربنآ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
[غافر: 11] وزعم ابن زيد في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات، وأماتهم ثلاث إماتات. والأمر عندنا وإن كان فيما وصف من استخراج الله جل ذكره من صلب آدم ذريته، وأخذه ميثاقه عليهم كما وصف، فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين، أعني قوله: { كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا } الآية، وقوله:
ربنآ أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
[غافر: 11] في شيء لأن أحدا لم يدع أن الله أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة التي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث، فيكون جائزا أن يوجه تأويل الآية إلى ما وجهه إليه ابن زيد. وقال بعضهم: الموتة الأولى: مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي ميتة من لدن فراقها جسده إلى نفخ الروح فيها، ثم يحييها الله بنفخ الروح فيها فيجعلها بشرا سويا بعد تارات تأتي عليها، ثم يميته الميتة الثانية بقبض الروح منه. فهو في البرزخ ميت إلى يوم ينفخ في الصور فيرد في جسده روحه، فيعود حيا سويا لبعث القيامة فذلك موتتان وحياتان.
وإنما دعا هؤلاء إلى هذا القول لأنهم قالوا: موت ذي الروح مفارقة الروح إياه، فزعموا أن كل شيء من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي ذا الروح، فكل ما فارق جسده الحي ذا الروح فارقته الحياة فصار ميتا، كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه، والرجل من رجليه لو قطعت وأبينت، والمقطوع ذلك منه حي، كان الذي بان من جسده ميتا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الذي فيه الروح. قالوا: فكذلك نطفته حية بحياته ما لم تفارق جسده ذا الروح، فإذا فارقته مباينة له صارت ميتة، نظير ما وصفنا من حكم اليد والرجل وسائر أعضائه، وهذا قول ووجه من التأويل لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضي للقرآن تأويلهم. وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره: { كيف تكفرون بالله وكنتم أموتا فأحيكم } الآية، القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود، وعن ابن عباس، من أن معنى قوله: { وكنتم أموتا }: أموات الذكر خمولا في أصلاب آبائكم نطفا لا تعرفون ولا تذكرون، فأحياكم بانشائكم بشرا سويا، حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون، ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة، ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك، كما قال: ثم إليه ترجعون لأن الله جل ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم، ثم يحشرهم لموقف الحساب، كما قال جل ذكره:
Page inconnue