Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
دعوا يا لكعب واعتزينا لعامر
يعني بقوله: دعوا يالكعب: استنصروا كعبا واستعانوا بهم. وأما الشهداء فإنها جمع شهيد، كالشركاء جمع شريك، والخطباء جمع خطيب. والشهيد يسمى به الشاهد على الشيء لغيره بما يحقق دعواه، وقد يسمى به المشاهد للشيء كما يقال فلان جليس فلان، يعني به مجالسه، ونديمه يعني به منادمه، وكذلك يقال: شهيده يعني به مشاهده. فإذا كانت الشهداء محتملة أن تكون جمع الشهيد الذي هو منصرف للمعنيين اللذين وصفت، فأولى وجهيه بتأويل الآية ما قاله ابن عباس، وهو أن يكون معناه: واستنصروا على أن تأتوا بسورة من مثله أعوانكم وشهداءكم الذين يشاهدونكم ويعاونونكم على تكذيبكم الله ورسوله ويظاهرونكم على كفركم ونفاقكم إن كنتم محقين في جحودكم أن ما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم اختلاق وافتراء، لتمتحنوا أنفسكم وغيركم: هل تقدرون على أن تأتوا بسورة من مثله، فيقدر محمد على أن يأتي بجميعه من قبل نفسه اختلاقا؟ وأما ما قاله مجاهد وابن جريج في تأويل ذلك فلا وجه له لأن القوم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافا ثلاثة: أهل إيمان صحيح، وأهل كفر صحيح، وأهل نفاق بين ذلك. فأهل الإيمان كانوا بالله وبرسوله مؤمنين، فكان من المحال أن يدعي الكفار أن لهم شهداء على حقيقة ما كانوا يأتون به لو أتوا باختلاق من الرسالة، ثم ادعوا أنه للقرآن نظير من المؤمنين. فأما أهل النفاق والكفر فلا شك أنهم لو دعوا إلى تحقيق الباطل وإبطال الحق لسارعوا إليه مع كفرهم وضلالهم، فمن أي الفريقين كانت تكون شهداؤهم لو ادعوا أنهم قد أتوا بسورة من مثل القرآن؟ ولكن ذلك كما قال جل ثناؤه:
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
[الإسراء: 88] يعني بذلك: إن كنتم في شك في صدق محمد فيما جاءكم به من عندي أنه من عندي، فأتوا بسورة من مثله، وليستنصر بعضكم بعضا على ذلك إن كنتم صادقين في زعمكم حتى تعلموا أنكم إذا عجزتم عن ذلك أنه لا يقدر على أن يأتي به محمد صلى الله عليه وسلم ولا من البشر أحد، ويصح عندكم أنه تنزيلي ووحيي إلى عبدي.فأخبر جل ثناؤه في هذه الآية أن مثل القرآن لا يأتي به الجن والإنس ولو تظاهروا وتعاونوا على الإتيان به وتحداهم بمعنى التوبيخ لهم في سورة البقرة، فقال تعالى: { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صدقين }.
[2.24]
قال أبو جعفر: يعني تعالى بقوله: { فإن لم تفعلوا }: إن لم تأتوا بسورة من مثله، وقد تظاهرتم أنتم وشركاؤكم عليه وأعوانكم. فتبين لكم بامتحانكم واختباركم عجزكم وعجز جميع خلقي عنه، وعلمتم أنه من عندي، ثم أقمتم على التكذيب به. وقوله: { ولن تفعلوا } أي لن تأتوا بسورة من مثله أبدا. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } أي لا تقدرون على ذلك ولا تطيقونه. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: { فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا } فقد بين لكم الحق. القول في تأويل قوله تعالى: { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة }. قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: { فاتقوا النار } يقول: فاتقوا أن تصلوا النار بتكذيبكم رسولي بما جاءكم به من عندي أنه من وحيي وتنزيلي، بعد تبينكم أنه كتابي ومن عندي، وقيام الحجة عليكم بأنه كلامي ووحيي، بعجزكم وعجز جميع خلقي عن أن يأتوا بمثله. ثم وصف جل ثناؤه النار التي حذرهم صليها، فأخبرهم أن الناس وقودها، وأن الحجارة وقودها، فقال: { التي وقودها الناس والحجارة } يعني بقوله وقودها: حطبها، والعرب تجعله مصدرا، وهو اسم إذا فتحت الواو بمنزلة الحطب، فإذا ضمت الواو من الوقود كان مصدرا من قول القائل: وقدت النار فهي تقد وقودا وقدة ووقدانا ووقدا، يراد بذلك أنها التهبت. فإن قال قائل: وكيف خصت الحجارة فقرنت بالناس حتى جعلت لنار جهنم حطبا؟ قيل: إنها حجارة الكبريت، وهي أشد الحجارة فيما بلغنا حرا إذا أحميت. كما: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله في قوله: { وقودها الناس والحجارة } قال: هي حجارة من كبريت خلقها الله يوم خلق السموات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين. وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن عيينة، عن مسعر عن عبد الملك الزراد عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود في قوله: { وقودها الناس والحجارة } قال: حجارة الكبريت جعلها الله كما شاء. وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة } أما الحجارة فهي حجارة في النار من كبريت أسود يعذبون به مع النار.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج في قوله: { وقودها الناس والحجارة } قال: حجارة من كبريت أسود في النار. قال: وقال لي عمرو بن دينار: حجارة أصلب من هذه وأعظم. حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا أبي عن مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود، قال: حجارة من الكبريت خلقها الله عنده كيف شاء وكما شاء. القول في تأويل قوله تعالى: { أعدت للكفرين }. قد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن الكافر في كلام العرب هو الساتر شيئا بغطاء، وأن الله جل ثناؤه إنما سمى الكافر كافرا لجحوده آلاءه عنده، وتغطيته نعماءه قبله فمعنى قوله إذا: { أعدت للكفرين }: أعدت النار للجاحدين أن الله ربهم المتوحد بخلقهم وخلق الذين من قبلهم، الذي جعل لهم الأرض فراشا، والسماء بناء، وأنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات رزقا لهم، المشركين معه في عبادته الأنداد والآلهة، وهو المتفرد لهم بالإنشاء والمتوحد بالأقوات والأرزاق. كما: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد، عن ابن عباس: { أعدت للكفرين } أي لمن كان على مثل ما أنتم عليه من الكفر.
[2.25]
أما قوله تعالى: { وبشر } فإنه يعني: أخبرهم. والبشارة أصلها الخبر بما يسر المخبر به، إذا كان سابقا به كل مخبر سواه. وهذا أمر من الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بإبلاغ بشارته خلقه الذين آمنوا به وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبماء جاء به من عند ربه، وصدقوا إيمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالحة، فقال له: يا محمد بشر من صدقك أنك رسولي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي، وحقق تصديقه ذلك قولا بأداء الصالح من الأعمال التي افترضتها عليه وأوجبتها في كتابي على لسانك عليه، أن له جنات تجري من تحتها الأنهار خاصة، دون من كذب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك، ودون من أظهر تصديقك وأقر بأن ما جئته به فمن عندي قولا، وجحده اعتقادا ولم يحققه عملا. فإن لأولئك النار التي وقودها الناس والحجارة معدة عندي. والجنات جمع جنة، والجنة: البستان. وإنما عنى جل ذكره بذكر الجنة ما في الجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها، فلذلك قال عز ذكره: { تجري من تحتها الأنهر } لأنه معلوم أنه إنما أراد جل ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنه جار تحت أشجارها وغروسها وثمارها، لا أنه جار تحت أرضها لأن الماء إذا كان جاريا تحت الأرض، فلا حظ فيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بينها وبينه. على أن الذي توصف به أنهار الجنة أنها جارية في غير أخاديد. كما: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، عن مسروق، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها أمثال القلال، كلما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وماؤها يجري في غير أخدود. وحدثنا مجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة بنحوه. وحدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة، فذكر مثله. قال: فقلت لأبي عبيدة: من حدثك، فغضب وقال: مسروق. فإذ كان الأمر كذلك في أن أنهارها جارية في غير أخاديد، فلا شك أن الذي أريد بالجنات أشجار الجنات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها وتحت غروسها وأشجارها، على ما ذكره مسروق. وذلك أولى بصفة الجنة من أن تكون أنهارها جارية تحت أرضها. وإنما رغب الله جل ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان وحضهم على عبادته، بما أخبرهم أنه أعده لأهل طاعته والإيمان به عنده، كما حذرهم في الآية التي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعد لأهل الكفر به الجاعلين معه الآلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه، والتعرض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: { كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشبها }. قال أبو جعفر: يعني: { كلما رزقوا منها } من الجنات، والهاء راجعة على «الجنات»، وإنما المعني أشجارها، فكأنه قال: كلما رزقوا من أشجار البساتين التي أعدها الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات في جناته من ثمرة من ثمارها رزقا قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { هذا الذي رزقنا من قبل } فقال بعضهم: تأويل ذلك هذا الذي رزقنا من قبل هذا في الدنيا. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: { هذا الذي رزقنا من قبل } قال: إنهم أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا. حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل: أي في الدنيا. وحدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قالوا: { هذا الذي رزقنا من قبل } يقولون: ما أشبهه به. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. وحدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قالوا: { هذا الذي رزقنا من قبل } في الدنيا، قال: { وأتوا به متشبها } يعرفونه. قال أبو جعفر: وقال آخرون: بل تأويل ذلك: هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا، لشدة مشابهة بعض ذلك في اللون والطعم بعضا. ومن علة قائلي هذا القول إن ثمار الجنة كلما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله. كما: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبي عبيدة، قال: نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها، وثمرها مثل القلال، كلما نزعت منها ثمرة عادت مكانها أخرى. قالوا: فإنما اشتبهت عند أهل الجنة، لأن التي عادت نظيرة التي نزعت فأكلت في كل معانيها. قالوا: ولذلك قال الله جل ثناؤه: { وأتوا به متشبها } لاشتباه جميعه في كل معانيه. وقال بعضهم: بل قالوا: { هذا الذي رزقنا من قبل } لمشابهته الذي قبله في اللون وإن خالفه في الطعم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثنا شيخ من المصيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، قال: يؤتي أحدهم بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتي بأخرى فيقول: هذا الذي أتينا به من قبل، فيقول الملك: كل فاللون واحد والطعم مختلف.
Page inconnue