Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
القول في تأويل قوله تعالى: { وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرت رزقا }. يعني بذلك أنه أنزل من السماء مطرا، فأخرج بذلك المطر مما أنبتوه في الأرض من زرعهم وغرسهم ثمرات رزقا لهم غذاء وأقواتا. فنبههم بذلك على قدرته وسلطانه، وذكرهم به آلاءه لديهم، وأنه هو الذي خلقهم وهو الذي يرزقهم ويكفلهم دون من جعلوه له ندا وعدلا من الأوثان والآلهة، ثم زجرهم عن أن يجعلوا له ندا مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم، وأنه لا ند له ولا عدل، ولا لهم نافع ولا ضار ولا خالق ولا رازق سواه. القول في تأويل قوله تعالى: { فلا تجعلوا لله أندادا }. قال أبو جعفر: والأنداد، جمع ند، والند: العدل والمثل، كما قال حسان بن ثابت:
أتهجوه ولست له بند
فشركما لخيركما الفداء
يعني بقوله: «ولست له بند»: لست له بمثل ولا عدل. وكل شيء كان نظيرا لشيء وشبيها فهو له ند. كما: حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: { فلا تجعلوا لله أندادا } أي عدلاء. وحدثني المثنى ، قال: حدثني أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { فلا تجعلوا لله أندادا } أي عدلاء. وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي عن خبر ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { فلا تجعلوا لله أندادا } قال: أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية الله. وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قول الله: { فلا تجعلوا لله أندادا } قال: الأنداد: الآلهة التي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له. وحدثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: { فلا تجعلوا لله أندادا } قال: أشباها. حدثني محمد بن سنان، قال: حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن عكرمة: فلا تجعلوا لله أندادا أي تقولوا: لولا كلبنا لدخل علينا اللص الدار، لولا كلبنا صاح في الدار ونحو ذلك. فنهاهم الله تعالى أن يشركوا به شيئا، وأن يعبدوا غيره، أو يتخذوا له ندا وعدلا في الطاعة، فقال: كما لا شريك لي في خلقكم وفي رزقكم الذي أرزقكم، وملكي إياكم، ونعمتي التي أنعمتها عليكم، فكذلك فأفردوا لي الطاعة، وأخلصوا لي العبادة، ولا تجعلوا لي شريكا وندا من خلقي، فإنكم تعلمون أن كل نعمة عليكم مني. القول في تأويل قوله تعالى: { وأنتم تعلمون }. اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها جميع المشركين، من مشركي العرب وأهل الكتاب.
وقال بعضهم: عني بذلك أهل الكتابين: التوراة، والإنجيل. ذكر من قال: عني بها جميع عبدة الأوثان من العرب وكفار أهل الكتابين: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزل ذلك في الفريقين جميعا من الكفار والمنافقين. وإنما عنى بقوله : { فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } أي لا تشركوا بالله غيره من الأنداد التي لا تنفع ولا تضر، وأنتم تعلمون أنه لا رب لكم يرزقكم غيره، وقد علمتم أن الذي يدعوكم إليه الرسول من توحيده هو الحق لا شك فيه. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد عن سعيد، عن قتادة في قوله: { وأنتم تعلمون } أي تعلمون أن الله خلقكم وخلق السموات والأرض، ثم تجعلون له أندادا. ذكر من قال: عنى بذلك أهل الكتابين: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: { فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } أنه إله واحد في التوراة والإنجيل. وحدثني المثنى بن إبراهيم، قال: حدثنا قبيصة، قال: حدثنا سفيان عن مجاهد مثله. وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وأنتم تعلمون } يقول: وأنتم تعلمون أنه لا ند له في التوراة والإنجيل. قال أبو جعفر: وأحسب أن الذي دعا مجاهدا إلى هذا التأويل، وإضافة ذلك إلى أنه خطاب لأهل التوراة والإنجيل دون غيرهم، الظن منه بالعرب أنها لم تكن تعلم أن الله خالقها ورازقها بجحودها وحدانية ربها، وإشراكها معه في العبادة غيره. وإن ذلك لقول ولكن الله جل ثناؤه قد أخبر في كتابه عنها أنها كانت تقر بوحدانيته، غير أنها كانت تشرك في عبادته ما كانت تشرك فيها، فقال جل ثناؤه:
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله
[الزخرف: 87] وقال:
قل من يرزقكم من السمآء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون
[يونس: 31] فالذي هو أولى بتأويل قوله: { وأنتم تعلمون } إذ كان ما كان عند العرب من العلم بوحدانية الله، وأنه مبدع الخلق وخالقهم ورازقهم، نظير الذي كان من ذلك عند أهل الكتابين. ولم يكن في الآية دلالة على أن الله جل ثناؤه عنى بقوله: { وأنتم تعلمون } أحد الحزبين، بل مخرج الخطاب بذلك عام للناس كافة لهم، لأنه تحدى الناس كلهم بقوله :
يأيها الناس اعبدوا ربكم
Page inconnue