Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
فإن زماننا زمن خميص
فوحد البطن، والمراد منه البطون لما وصفنا من العلة. القول في تأويل قوله تعالى: { إن الله على كل شيء قدير }. قال أبو جعفر: وإنما وصف الله نفسه جل ذكره بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع، لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فاتقوني أيها المنافقون واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي لا أحل بكم نقمتي فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير. ومعنى قدير: قادر، كما معنى عليم: عالم، على ما وصفت فيما تقدم من نظائره من زيادة معنى فعيل على فاعل في المدح والذم.
[2.21]
قال أبو جعفر: فأمر جل ثناؤه الفريقين الذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء عليهم أأنذروا أم لم ينذروا أنهم لا يؤمنون، لطبعه على قلوبهم، وعلى سمعهم وأبصارهم، وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله: آمنا بالله واليوم الآخر، مع استبطانه خلاف ذلك، ومرض قلبه، وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك وغيرهم من سائر خلقه المكلفين، بالاستكانة والخضوع له بالطاعة، وإفراد الربوبية له، والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم، فقال لهم جل ذكره: فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم وسائر الخلق غيركم وهو يقدر على ضركم ونفعكم أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر. وكان ابن عباس فيما روي لنا عنه يقول في ذلك نظير ما قلنا فيه، غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول في معنى: { اعبدوا ربكم } وحدوا ربكم. وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى العبادة الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة. والذي أراد ابن عباس إن شاء الله بقوله في تأويل قوله: { اعبدوا ربكم } وحدوه: أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه. حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الله: { يأيها الناس اعبدوا ربكم } للفريقين جميعا من الكفار والمنافقين، أي وحدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم. وحدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، عن أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: { يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم } يقول: خلقكم وخلق الذين من قبلكم. قال أبو جعفر: وهذه الآية من أدل دليل على فساد قول من زعم أن تكليف ما لا يطاق إلا بمعونة الله غير جائز إلا بعد إعطاء الله المكلف المعونة على ما كلفه. وذلك أن الله أمر من وصفنا بعبادته والتوبة من كفره، بعد إخباره عنهم أنهم لا يؤمنون وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون. القول في تأويل قوله تعالى: { لعلكم تتقون }. قال أبو جعفر: وتأويل ذلك: لعلكم تتقون بعبادتكم ربكم الذي خلقكم، وطاعتكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه، وإفرادكم له العبادة، لتتقوا سخطه وغضبه أن يحل عليكم، وتكونوا من المتقين الذين رضي عنهم ربهم. وكان مجاهد يقول في تأويل قوله: { لعلكم تتقون }: تطيعون.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثني أبي عن سفيان، عن ابن نجيح عن مجاهد في قوله: { لعلكم تتقون } قال: لعلكم تطيعون. قال أبو جعفر: والذي أظن أن مجاهدا أراد بقوله هذا: لعلكم أن تتقوا ربكم بطاعتكم إياه وإقلاعكم عن ضلالتكم. قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فكيف قال جل ثناؤه: { لعلكم تتقون }؟ أو لم يكن عالما بما يصير إليه أمرهم إذا هم عبدوه وأطاعوه، حتى قال لهم: لعلكم إذا فعلتم ذلك أن تتقوا، فأخرج الخبر عن عاقبة عبادتهم إياه مخرج الشك؟ قيل له: ذلك على غير المعنى الذي توهمت، وإنما معنى ذلك: اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم، لتتقوه بطاعته وتوحيده وإفراده بالربوبية والعبادة، كما قال الشاعر:
وقلتم لنا كفوا الحروب لعلنا
نكف ووثقتم لنا كل موثق
فلما كففنا الحرب كانت عهودكم
كلمح سراب في الفلا متألق
يريد بذلك: قلتم لنا كفوا لنكف. وذلك أن «لعل» في هذا الموضع لو كان شكا لم يكونوا وثقوا لهم كل موثق.
Page inconnue