Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
[الزمر: 64] فرفع «أعبد» إذ لم تدخل فيها أن بالألف الدالة على معنى الاستقبال. وكما قال الشاعر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
فرفع «أحضر» وإن كان يصلح دخول «أن» فيها، إذ حذفت بالألف التي تأتي الاستقبال. وإنما صلح حذف «أن» من قوله: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون } لدلالة ما ظهر من الكلام عليها، فاكتفى بدلالة الظاهر عليها منها. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: معنى قوله: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } حكاية، كأنك قلت: استحلفناهم لا تعبدون، أي قلنا لهم: والله لا تعبدون، وقالوا: والله لا يعبدون. والذي قال من ذلك قريب معناه من معنى القول الذي قلنا في ذلك. وبنحو الذي قلنا في قوله: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } تأوله أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له وأن لا يعبدوا غيره. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } قال: أخذنا ميثاقهم أن يخلصوا لله ولا يعبدوا غيره.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج: { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله } قال: الميثاق الذي أخذ عليهم في المائدة. القول في تأويل قوله تعالى: { وبالوالدين إحسانا }. وقوله جل ثناؤه: { وبالوالدين إحسانا } عطف على موضع «أن» المحذوفة في { لا تعبدون إلا الله }. فكان معنى الكلام: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا. فرفع «لا تعبدون» لما حذف «أن»، ثم عطف بالوالدين على موضعها، كما قال الشاعر:
معاوي إننا بشر فأسجح
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فنصب «الحديد» على العطف به على موضع الجبال لأنها لو لم تكن فيها باء خافضة كانت نصبا، فعطف بالحديد على معنى الجبال لا على لفظها، فكذلك ما وصفت من قوله: { وبالوالدين إحسانا }. وأما الأحسان فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله: { وبالوالدين } إذ كان مفهوما معناه، فكان معنى الكلام لو أظهر المحذوف: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا. فاكتفى بقوله: { وبالوالدين } من أن يقال: وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا، إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام. وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه: وبالوالدين فأحسنوا إحسانا فجعل «الباء» التي في «الوالدين» من صلة الإحسان مقدمة عليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن لا تعبدوا إلا الله، وأحسنوا بالوالدين إحسانا. فزعموا أن «الباء» التي في «الوالدين» من صلة المحذوف، أعني «أحسنوا»، فجعلوا ذلك من كلامين. وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه، فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد فلا وجه لصرفه إلى كلامين. وأخرى: أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا لقيل: «وإلى الوالدين إحسانا» لأنه إنما يقال: أحسن فلان إلى والديه، ولا يقال: أحسن بوالديه، إلا على استكراه للكلام. ولكن القول فيه ما قلنا، وهو: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا وبالوالدين إحسانا، على ما بينا قبل. فيكون «الإحسان» حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه كما بينا فيما مضى من نظائره. فإن قال قائل: وما ذلك الإحسان الذي أخذ عليهم وبالوالدين الميثاق؟ قيل: نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما والقول الجميل، وخفض جناح الذل رحمة بهما والتحنن عليهما، والرأفة بهما والدعاء بالخير لهما، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما. القول في تأويل قوله تعالى: { وذي القربى واليتامى والمساكين }.
يعني بقوله: { وذي القربى } وبذي القربى أن يصلوا قرابته منهم ورحمة. والقربى مصدر على تقدير «فعلى» من قولك: قربت مني رحم فلان قرابة وقربى وقربا بمعنى واحد. وأما اليتامى فهم جمع يتيم، مثل أسير وأسارى ويدخل في اليتامى الذكور منهم والإناث. ومعنى ذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وحده دون من سواه من الأنداد وبالوالدين إحسانا وبذي القربى، أن تصلوا رحمه، وتعرفوا حقه، وباليتامى: أن تتعطفوا عليهم بالرحمة والرأفة، وبالمساكين: أن تؤتوهم حقوقهم التي ألزمها الله أموالكم. والمسكين: هو المتخشع المتذلل من الفاقة والحاجة، وهو «مفعيل» من المسكنة، والمسكنة هي ذل الحاجة والفاقة. القول في تأويل قوله تعالى: { وقولوا للناس حسنا }. إن قال قائل: كيف قيل: { وقولوا للناس حسنا } فأخرج الكلام أمرا ولما يتقدمه أمر، بل الكلام جار من أول الآية مجرى الخبر؟ قيل: إن الكلام وإن كان قد جرى في أول الآية مجرى الخبر فإنه مما يحسن في موضعه الخطاب بالأمر والنهي، فلو كان مكان: «لا تعبدون إلا الله» «لا تعبدوا إلا الله» على وجه النهي من الله لهم عن عبادة غيره كان حسنا صوابا وقد ذكر أن ذلك كذلك في قراءة أبي بن كعب. وإنما حسن ذلك وجاز لو كان مقروءا به لأن أخذ الميثاق قول، فكان معنى الكلام لو كان مقروءا كذلك: وإذ قلنا لبني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله، كما قال جل ثناؤه في موضع آخر: { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة }. فلما كان حسنا وضع الأمر والنهي في موضع: { لا تعبدون إلا الله } ، عطف بقوله: { وقولوا للناس حسنا } على موضع { لا تعبدون } ، وإن كان مخالفا كل واحد منهما معناه معنى ما فيه، لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر والنهي موضع لا تعبدون فكأنه قيل: وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله، وقولوا للناس حسنا. وهو نظير ما قدمنا البيان عنه من أن العرب تبتدىء الكلام أحيانا على وجه الخبر عن الغائب في موضع الحكايات لما أخبرت عنه، ثم تعود إلى الخبر على وجه الخطاب، وتبتدىء أحيانا على وجه الخطاب ثم تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب لما في الحكاية من المعنيين كما قال الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
Page inconnue