Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك
[المائدة: 29] يعني: تنصرف متحملهما وترجع بهما قد صارا عليك دوني. فمعنى الكلام إذا: ورجعوا منصرفين متحملين غضب الله، قد صار عليهم من الله غضب، ووجب عليهم منه سخط. كما: حدثت عن عمار بن الحسن، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { وبآءو بغضب من الله } فحدث عليهم غضب من الله. حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك في قوله: وباءوا بغضب من الله قال: استحقوا الغضب من الله.
وقدمنا معنى غضب الله على عبده فيما مضى من كتابنا هذا، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق }. قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: «ذلك» ضرب الذلة والمسكنة عليهم، وإحلاله غضبه بهم. فدل بقوله: «ذلك» وهو يعني به ما وصفنا على أن قول القائل ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها. ويعني بقوله: { بأنهم كانوا يكفرون }: من أجل أنهم كانوا يكفرون، يقول: فعلنا بهم من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير الحق، كما قال أعشى بني ثعلبة:
مليكية جاورت بالحجا
ز قوما عداة وأرضا شطيرا
بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا
يعني بذلك : جاورت بهذا المكان هذه المرأة قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله بمكان قربها كان منه ومن قومه وبدلا من تربعها روض القطا وروض التناضب. فكذلك قوله: { وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } يقول: كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا. وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى الكفر: تغطية الشيء وستره، وأن آيات الله: حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله. فمعنى الكلام إذا: فعلنا بهم ذلك من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده، وتصديق رسله ويدفعون حقيتها، ويكذبون بها. ويعني بقوله: { ويقتلون النبيين بغير الحق }: ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم لإنباء ما أرسلهم به عنه لمن أرسلوا إليه. وهم جماع واحدهم نبي غير مهموز، وأصله الهمز، لأنه من أنبأ عن الله، فهو ينبىء عنه إنباء، وإنما الاسم منه منبىء ولكنه صرف وهو «مفعل» إلى «فعيل»، كما صرف سميع إلى فعيل من مفعل، وبصير من مبصر، وأشباه ذلك، وأبدل مكان الهمزة من النبىء الياء، فقيل نبي هذا. ويجمع النبي أيضا على أنبياء، وإنما جمعوه كذلك لإلحاقهم النبيء بإبدال الهمزة منه ياء بالنعوت التي تأتي على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو، وذلك أنهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير فعيل من ذوات الياء والواو جمعوه على أفعلاء، كقولهم ولي وأولياء، ووصي وأوصياء، ودعي وأدعياء، ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله، وعلى أن الواحد «نبيء» مهموز لجمعوه على فعلاء، فقيل لهم النبآء، على مثال النبغاء، لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت كجمعهم الشريك شركاء، والعليم علماء، والحكيم حكماء، وما أشبه ذلك. وقد حكي سماعا من العرب في جمع النبي النبآء، وذلك من لغة الذين يهمزون النبيء، ثم يجمعونه على النبآء على ما قد بينت، ومن ذلك قول عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
يا خاتم النبآء إنك مرسل
بالخير كل هدى السبيل هداكا
Page inconnue