Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
[البقرة: 31] أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا له:
سبحنك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم
[البقرة: 32] قال الله:
يآءادم أنبئهم بأسمآئهم فلمآ أنبأهم بأسمآئهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموت والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون
[البقرة: 33] قال: قولهم: { أتجعل فيها من يفسد فيها } فهذا الذي أبدوا، وأعلم ما كنتم تكتمون، يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر. قال أبو جعفر: فهذا الخبر أوله مخالف معناه معنى الرواية التي رويت عن ابن عباس من رواية الضحاك التي قد قدمنا ذكرها قبل، وموافق معنى آخره معناها وذلك أنه ذكر في أوله أن الملائكة سألت ربها: ما ذاك الخليفة؟ حين قال لها: { إني جاعل في الأرض خليفة } فأجابها أنه تكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. فقالت الملائكة حينئذ: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء }؟ فكان قول الملائكة ما قالت من ذلك لربها بعد إعلام الله إياها أن ذلك كائن من ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض، فذلك معنى خلاف أوله معنى خبر الضحاك الذي ذكرناه. وأما موافقته إياه في آخره، فهو قولهم في تأويل قوله:
أنبئوني بأسمآء هؤلاء إن كنتم صدقين
[البقرة: 31] أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء. وأن الملائكة قالت إذ قال لها ربها ذلك، تبريا من علم الغيب:
سبحنك لا علم لنآ إلا ما علمتنآ إنك أنت العليم الحكيم
[البقرة: 32] وهذا إذا تدبره ذو الفهم، علم أن أوله يفسد آخره، وأن آخره يبطل معنى أوله وذلك أن الله جل ثناؤه إن كان أخبر الملائكة أن ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض تفسد فيها وتسفك الدماء، فقالت الملائكة لربها: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } فلا وجه لتوبيخها على أن أخبرت عمن أخبرها الله عنه أنه يفسد في الأرض ويسفك الدماء بمثل الذي أخبرها عنهم ربها، فيجوز أن يقال لها فيما طوي عنها من العلوم إن كنتم صادقين فيما علمتم بخبر الله إياكم أنه كائن من الأمور، فأخبرتم به، فأخبرونا بالذي قد طوى الله عنكم علمه، كما قد أخبرتمونا بالذي قد أطلعكم الله عليه. بل ذلك خلف من التأويل، ودعوى على الله ما لا يجوز أن يكون له صفة. وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة، وأن يكون التأويل منهم كان على ذلك: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين فيما ظننتم أنكم أدركتموه من العلم بخبري إياكم أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، حتى استجزتم أن تقولوا: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } فيكون التوبيخ حينئذ واقعا على ماظنوا أنهم قد أدركوا بقول الله لهم: إنه يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، لا على إخبارهم بما أخبرهم الله به أنه كائن. وذلك أن الله جل ثناؤه وإن كان أخبرهم عما يكون من بعض ذرية خليفته في الأرض ما يكون منه فيها من الفساد وسفك الدماء، فقد كان طوى عنهم الخبر عما يكون من كثير منهم ما يكون من طاعتهم ربهم وإصلاحهم في أرضه وحقن الدماء ورفعه منزلتهم وكرامتهم عليه، فلم يخبرهم بذلك، فقالت الملائكة: { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } على ظن منها على تأويل هذين الخبرين اللذين ذكرت، وظاهرهما أن جميع ذرية الخليفة الذي يجعله في الأرض يفسدون فيها ويسفكون فيها الدماء.
فقال الله لهم إذ علم آدم الأسماء كلها:
Page inconnue