Le Recueil des Explications des Versets du Coran
جامع البيان في تفسير القرآن
وقبلك ربتني فضعت ربوب
يعني بقوله أفضت إليك: أي وصلت إليك ربابتي، فصرت أنت الذي ترب أمري فتصلحه لما خرجت من ربابة غيرك من الملوك الذين كانوا قبلك علي، فضيعوا أمري وتركوا تفقده. وهم الربوب واحدهم رب والمالك للشيء يدعى ربه. وقد يتصرف أيضا معنى الرب في وجوه غير ذلك، غير أنها تعود إلى بعض هذه الوجوه الثلاثة. فربنا جل ثناؤه، السيد الذي لا شبه له، ولا مثل في سؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر.
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله جل ثناؤه رب العالمين جاءت الرواية عن ابن عباس. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال جبريل لمحمد: «يا محمد قل الحمد لله رب العالمين». قال ابن عباس: يقول قل الحمد لله الذي له الخلق كله، السموات كلهن ومن فيهن، والأرضون كلهن ومن فيهن وما بينهن، مما يعلم ومما لا يعلم. يقول: اعلم يا محمد أن ربك هذا لا يشبهه شيء. القول في تأويل قوله [تعالى]: { العلمين }. قاله أبو جعفر: والعالمون جمع عالم، والعالم جمع لا واحد له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جماع لا واحد له من لفظه. والعالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالم، وأهل كل قرن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان، فالإنس عالم وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان. والجن عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كل جنس منها عالم زمانه. ولذلك جمع فقيل «عالمون»، وواحده جمع لكون عالم كل زمان من ذلك عالم ذلك الزمان. ومن ذلك قول العجاج:
فخندف هامة هذا العالم
فجعلهم عالم زمانه. وهذا القول الذي قلناه قول ابن عباس وسعيد بن جبير، وهو معنى قول عامة المفسرين. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، قال: حدثنا أبو روق عن الضحاك، عن ابن عباس: { الحمد لله رب العلمين } الحمد لله الذي له الخلق كله، السموات والأرض ومن فيهن وما بينهن، مما يعلم ولا يعلم. وحدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس: رب العالمين: الجن والإنس. وحدثني علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم بن عبد الرحمن، قال: حدثنا مصعب، عن قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قول الله جل وعز: رب العالمين: قال: رب الجن والإنس. وحدثنا أحمد بن إسحاق بن عيسى الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا قيس، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قوله: { رب #1649;لعلمين } قال: الجن والإنس. وحدثني أحمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: حدثني ابن أبي مريم، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قوله: { رب العالمين } قال: ابن آدم، والجن والإنس كل أمة منهم عالم على حدته. وحدثني محمد بن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد: { الحمد لله رب العالمين } قال: الإنس والجن. وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد: بمثله.
وحدثنا بشر بن معاذ العقدي، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: { رب العالمين } قال: كل صنف: عالم. وحدثني أحمد بن حازم الغفاري، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن ربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله: { رب العلمين } قال: الإنس عالم، والجن عالم، وما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم، أو أربعة عشر ألف عالم هو يشك من الملائكة على الأرض، وللأرض أربع زوايا، في كل زاوية ثلاثة آلاف عالم وخمسمائة عالم، خلقهم لعبادته. وحدثنا القاسم بن الحسن، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثنا حجاح، عن ابن جريج، في قوله: { رب العالمين } قال: الجن والإنس.
[1.3]
قال أبو جعفر: قد مضى البيان عن تأويل قوله «الرحمن الرحيم»، في تأويل «بسم الله الرحمن الرحيم»، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. ولم يحتج إلى الإبانة عن وجه تكرير الله ذلك في هذا الموضع، إذ كنا لا نرى أن «بسم الله الرحمن الرحيم» من فاتحة الكتاب آية، فيكون علينا لسائل مسألة بأن يقول: ما وجه تكرير ذلك في هذا الموضع، وقد مضى وصف الله عز وجل به نفسه في قوله «بسم الله الرحمن الرحيم»، مع قرب مكان إحدى الآيتين من الآخرى ومجاورتها لصاحبتها؟ بل ذلك لنا حجة على خطأ دعوى من ادعى أن بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب آية، إذ لو كان ذلك كذلك لكان ذلك إعادة آية بمعنى واحد ولفظ واحد مرتين من غير فصل يفصل بينهما. وغير موجود في شيء من كتاب الله آيتان متجاورتان مكررتان بلفظ واحد ومعنى واحد، لا فصل بينهما من كلام يخالف معناه معناهما، وإنما يأتي بتكرير آية بكمالها في السورة الواحدة، مع فصول تفصل بين ذلك، وكلام يعترض به بغير معنى الآيات المكررات أو غير ألفاظها، ولا فاصل بين قول الله تبارك وتعالى اسمه «الرحمن الرحيم» من «بسم الله الرحمن الرحيم»، وقول الله: «الرحمن الرحيم»، من «الحمد لله رب العالمين». فإن قال قائل: فإن «الحمد لله رب العالمين» فاصل بين ذلك. قيل: قد أنكر ذلك جماعة من أهل التأويل، وقالوا: إن ذلك من الموخر الذي معناه التقديم، وإنما هو: الحمد لله الرحمن الرحيم رب العالمين ملك يوم الدين. واستشهدوا على صحة ما ادعوا من ذلك بقوله: «ملك يوم الدين» فقالوا: إن قوله: «ملك يوم الدين» تعليم من الله عبده أن يصفه بالملك في قراءة من قرأ ملك، وبالملك في قراءة من قرأ «مالك». قالوا: فالذي هو أولى أن يكون محاور وصفه بالملك أو الملك ما كان نظير ذلك من الوصف، وذلك هو قوله «رب العالمين»، الذي هو خبر عن ملكه جميع أجناس الخلق، وأن يكون مجاور وصفه بالعظمة والألوهة ما كان له نظيرا في المعنى من الثناء عليه، وذلك قوله: { الرحمن الرحيم }. فزعموا أن ذلك لهم دليل على أن قوله «الرحمن الرحيم» بمعنى التقديم قبل «رب العالمين»، وإن كان في الظاهر مؤخرا. وقالوا: في نظائر ذلك من التقديم الذي هو بمعنى التأخير والمؤخر الذي هو بمعنى التقديم في كلام العرب أفشى وفي منطقها أكثر من أن يحصى، من ذلك قول جرير بن عطية:
طاف الخيال وأين منك لماما
فارجع لزورك بالسلام سلاما
Page inconnue