وأخبرنا أبو العباس عن موسى بن عبد الله قال: مر أبو عبيدة معمر بن المثنى برجلٍ ينشد شعرًا، فطول فيه، فقال أبو عبيدة: أما أنت، فقد أتعبت نفسك بما لا يجدي عليك، وما كان أحسن أن تقصر من حفظك في هذا الشعر ما طال! ألم تعلم أن الشعر جوهرٌ لا ينفد معدنه فمنه الموجود المبذول، ومنه المعوز المصون، فعليك بالبحث عن مصونه يكثر أدبك، ودع الإسراع إلى مبذوله كيلا يشغل قلبك، ثم أنشد أبو عبيدة: الوافر
مصونُ الشّعرِ تحفَظُهُ فيكفي، ... وحَشوُ الشّعرِ يُورِثُك المَلالا
قال المفضل: ولم يبق أحدٌ من أصحاب رسول الله، ﷺ، إلا وقد قال الشعر وتمثل به. فمن ذلك قول أبي بكر الصديق، ﵁، يرثي النبي، ﷺ: الوافر
أَجِدَّكَ ما لعَينِكَ لا تَنامُ ... كأنَّ جُفُونَها فيها كِلامُ
وقال عمر بن الخطاب، ﵁: الكامل
ما زِلْتُ مذْ وضَعوا فِراشَ مُحمَّدٍ ... كَيْما يُمرَّضَ خائفًا أتَوَجَّعُ
وقال علي بن أبي طالب، ﵁: الطويل
أَلا طَرَقَ النَّاعي بِلَيلٍ، فَراعَني ... وَأَرَّقَني لَمَّا استَقَرَّ مُنادِيَا
وقال عثمان بن عفان، ﵁: المتقارب
فيا عينِ أَبْكي ولا تَسْأَمي، ... وحُقَّ البُكاءُ على السَّيِّدِ
1 / 44