بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ مُتَنَاسِبَةً غَيْرَ مُتَنَافِرَةٍ وَكَأَنَّهُ إِجْمَالٌ بَعْدَ تَفْصِيلٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَبَقَ، وَإِجْمَالٌ قَبْلَ التَّفْصِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَحِقَ، وَإِنْكَارُ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ الْعِظَامِ مُكَابَرَةٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَقَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ أَوْصَافِ ذَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ حَمَاهُ خَلْقًا وَشَرِيعَةً وَأُمَّةً مِنْ غَائِلَتَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ يُوهِمُ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَاللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْخَلْقِ الْمَخْلُوقَاتِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ: عَالِمُ الْقَوْمِ هَذَا، وَقَدْ قَالَ مِيرَكُ: هَذِهِ الْفِقْرَةُ صُحِّحَتْ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ مَعًا، فَالنَّصْبُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِكَانَ السَّابِقِ أَوِ الْمَحْذُوفِ كَالْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ، وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ
خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هُوَ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ، انْتَهَى. وَالنَّصْبُ أَظْهَرُ. (بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ): قَالَ الْحَنَفِيُّ: قَوْلُهُ: " بَادِنٌ " رِوَايَتُنَا إِلَى هُنَا بِالنَّصْبِ وَمِنْهُ إِلَى آخَرِ الْحَدِيثِ بِالرَّفْعِ، وَقَالَ مِيرَكُ: الصَّحِيحُ فِي أُصُولِ مَشَايِخِنَا " بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ " بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَقِلَّةٌ أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لِكَانَ، وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: " بَادِنٌ مُتَمَاسِكٌ " مَنْصُوبًا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى السِّيَاقِ، وَيُكْتَفَى بِحَرَكَةِ النَّصْبِ عَلَى الْأَلِفِ كَمَا هُوَ رَسْمُ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي كُتُبِهِمُ الْمَنْصُوبَاتِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ نَقْلًا عَنِ الشَّمَايِلِ " بَادِنًا مُتَمَاسِكًا " بِالْأَلِفِ وَكَذَا فِي الْفَائِقِ وَكَذَا فِي الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ كُتِبَ بِالْأَلِفِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْغَرَضَ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْجُمَلِ الْوَاقِعَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ لَكِنْ لَا يَسْتَقِيمُ النَّصْبُ فِي بَعْضِ الْجُمَلِ كَقَوْلِهِ: " سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ "، وَقَوْلِهِ: " نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ "، وَقَوْلِهِ: " جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ " فَتَأَمَّلْ، انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَقْلَ جَامِعِ الْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِوَايَتُهُ بِالنَّصْبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ النَّصْبِ هَاهُنَا لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ الْجُمَلِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ قَوْلُهُ: " بَادِنٌ " اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَدَنَ بِمَعْنَى ضَخُمَ، وَالضَّخَامَةُ قَدْ تَكُونُ بِعِظَمِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ تَحْصُلُ بِالسِّمَنِ، وَلَمَّا لَمْ يُوصَفْ ﷺ بِالسِّمَنِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: الْمُرَادُ بِهِ عِظَمُ الْأَعْضَاءِ، وَأَرْدَفَهُ بِقَوْلِهِ: " مُتَمَاسِكٌ " وَهُوَ الَّذِي يُمْسِكُ بَعْضُ أَعْضَائِهِ بَعْضًا لُيُعْلَمَ أَنَّ عِظَمِ أَعْضَائِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ حَدِّ الِاعْتِدَالِ، وَقِيلَ: الْمُتَمَاسِكُ هُوَ الْمُكْتَنِزُ اللَّحْمِ غَيْرُ سَهْلٍ وَلَا مُسْتَرْخٍ كَأَنَّ سِمَنَهُ اسْتَمْسَكَ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبَادِنِ السَّمِينَ، وَأَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: " مُتَمَاسِكٌ " لِنَفْيِ الِاسْتِرْخَاءِ الْمَذْمُومِ عِنْدَ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فِي الْمَنْظَرِ أَيْ فَهُوَ مُعْتَدِلُ الْخَلْقِ بَيْنَ السِّمَنِ وَالنَّحَافَةِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ سَمِنَ أَوْ مَا سَمِنَ لَفْظِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْبَادِنَ فَسَّرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِذِي لَحْمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَوْ تَذْيِيلٌ وَتَتْمِيمٌ. (سَوَاءٌ الْبَطْنُ وَالصَّدْرُ): صِفَةُ " بَادِنٍ " أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، قَالَ مِيرَكُ: صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا وَأَكْثَرُ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالْمُصَحِّحَةِ سَوَاءٌ بِالرَّفْعِ مُنَوَّنًا وَالْبَطْنُ وَالصَّدْرُ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ عِوَضًا عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ سَوَاءٌ بَطْنُهُ وَصَدْرُهُ، انْتَهَى. وَنَظِيرُهُ (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِتَقْدِيرِ مِنْهُ نَحْوُ السَّمْنُ مَنَوَانِ بِدِرْهَمٍ أَيْ مِنْهُ فَيَصِيرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي) فَانْدَفَعَ مَا قَالَ الْعِصَامُ: أَنَّ الْبَطْنَ وَالصَّدْرَ مَرْفُوعَانِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ دُونَ الِابْتِدَاءِ لَكِنْ يَلْزَمُ كَوْنُ التَّرْكِيبِ
قَبِيحًا لِخُلُوِّهِ عَنْ ضَمِيرِ الْمَوْصُوفِ كَمَا عُلِمَ فِي مَسَائِلِ الْحَسَنِ الْوَجْهَ فَالتَّعْوِيلُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْفَائِقِ، نَعَمْ لَوْ نَصَبَ الْبَطْنَ لَكَانَ أَحْسَنَ وَبِالْجُمْلَةِ سَوَاءٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَجَاءَ فِي سَوَاءٍ كَسْرُ السِّينِ وَالْفَتْحُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ. قُلْتُ وَالرِّوَايَةُ بِالْفَتْحِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا مُسْتَوَيَانِ لَا يَنْبُو أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، وَسَوَاءُ الشَّيْءِ وَسَطُهُ لِاسْتِوَاءِ الْمَسَافَةِ إِلَيْهِ مِنَ الْأَطْرَافِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِرَفْعِ سَوَاءٍ غَيْرِ مُنَوَّنٍ وَخَفْضِ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ: سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ بِمَعْنَى الِاسْتِوَاءِ يُوصَفُ بِهِ كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصَادِرِ، فَهُوَ هَاهُنَا بِمَعْنَى مُسْتَوٍ أُضِيفَ إِلَى الْبَطْنِ وَفِيهِ ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَالْمَعْنَى أَنَّ صَدْرَهُ
1 / 39