فإن خبز إسماعيل حلّ به الذي ... أصاب كليبًا لم يكن ذاك عن ذلّ
ولكن قضاءٌ ليس يسطاع ردّه ... بحيلة ذي دهي ولا مكر ذي عقل
قال الجاحظ: وأبيات أبي نواس على أنه مولد شاطر أشعر من شعر المهلهل في إطراق المجلس بكليب أخيه إذ يقول:
نبّئت أنّ النار بعدك أوقدت ... واستبّ بعدك يا كليب المجلس
وتحدّثوا في أمر كلّ عظيمةٍ ... لو كنت حاضر أمرهم لم ينبسوا
وكان كليب إذا جلس في ناديه لم يرفع أحد طرفه، ولا ينطق بكلمة إجلالًا له.
وقال أبو نواس:
رأيت قدور الناس سودًا من الصّلى ... وقدر الرقاشيّين زهراء كالبدر
يضيق بحيزوم البعوضة صدرها ... ويخرج ما فيها على طرف الظفر
يبيّنها للمعتفي بفنائهم ... ثلاثٌ كخطّ الثاء من نقط الحبر
إذا ما تنادوا للرحيل سعى بها ... أمامهم الحوليّ من ولد الذّرّ
وهذا القدر ضد قدر القائل:
وبوّأت قدري موضعًا فوضعتها ... برابيةٍ ما بين ميثٍ وأجرع
جعلت لها هضب الرّجام وطخفةً ... وغولًا أثافيّ دونها لم تنزّع
بقدرٍ كأنّ الليل شحنة قعرها ... ترى الفيل فيها طافيًا لم يقطّع
ويجب أن يأكل ما في هذا القدر من ذكر الفرزدق في قوله:
لعمرك ما الأرزاق حين اكتيالها ... بأكثر خيرًا من خوان العذافر
ولو ضافه الدّجّال يلتمس القرى ... وحلّ على خبّازه بالعساكر
بعدّة يأجوج ومأجوج كلّهم ... لأشبعهم يومًا غداء عذافر
طرف مليحة
ودخل رجل على المتوكل فقال له: ما اسمك؟ قال: قطان. قال: وما صناعتك؟ قال: حمدان. قال: لعل اسمك حمدان وصناعتك قطان؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ولكني دهشت لهيبتك.
وقال رجل لآخر معه كلب: ما اسمك؟ قال: وثاب. قال: وما اسم كلبك؟ قال: عروة، قال: واخلافاه! وقال ابن قادم: كنا نماشي ابن المغتاب القاضي، فمررنا بمقبرة، فإذا عليها مكتوب: بركة من الله صاحبها. وكنا في إملاك فإذا على منارة مكتوب: كل نفس ذائقة الموت. فقلت: هذه بتلك.
وممن وقع له هذا على الغلط فأحسن الاستدراك مطيع بن إياس الحارثي، فإنه دخل على الهادي في حياة المهدي وهو ولي عهد، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقيل له: مه! فقال: بعد أمير المؤمنين.
يتعمدان المقلوب
وأما أبو العبر ومحمد بن حكيم الكنتجي فقد كانا يتعمدان المقلوب رقاعةً ومجانةً، وأبو العبر هو الذي كتب لبعض أصحابه: أما قبل فأحكم بنيانك على الرمل، واحبس الماء في الهواء، حتى يغرق الناس من العطش؛ فإنك إذا فعلت ذلك أمرت لك كل يوم بسبعة آلاف درهم ينقص كل درهم سبعة دوانيق.
وكتب يوم إلا تسعًا لخمس وأربعين ليلةً خلت من شهر ربيع الأوسط سنة عشرين إلا مائتين. وله مثل هذا كثير من منظوم ومنثور. وهو القائل:
الخوخ يعشق وكنة الرّمّان ... والطيلسان قرابة الخفّان
يا من رمى قلبي فعرقب أذنه ... فشممت منه حموضة الكتّان
وقال أبو العبر: كنا نختلف ونحن أحداث إلى رجل يعلمنا الهزل، فكان يقول: أول ما تريدون قلب الأشياء، فكنا نقول إذا أصبح: كيف أمسيت؟ وإذا أمسى: كيف أصبحت؟ وإذا قال: تعال نتأخر إلى خلف؛ وكانت له أرزاق تعمل كتابتها في كل سنة، فعمل مرة وأن معه الكتاب، فلما فرغ من التوقيع وبقي الختم. قال: أتربه وجئني به، فمضيت فصببت عليه الماء فبطل، فقال: ويحك! ما صنعت؟ قلت: ما نحن فيه طول النهار من قلب الأشياء! قال: والله لا تصحبني بعد اليوم فأنت أستاذ الأستاذين.
وكان نقش خاتم أبي العبر توفي جحا يوم الأربعاء.
وتعرض للمتوكل والمتوكل مشرف على مظهر في قصره الجعفري وقد جعل في رجليه قلنسوتين وعلى رأسه خفًان وقد جعل سراويله قميصًا، وقميصه سراويل، فقال: علي بهذا المثلة؛ فدخل عليه فقال: أنت شارب؟ قال: ما أنا إلا عنفقة. قال: إني أضع الأدهم في رجليك وأنفيك في فارس، قال: ضع في رجلي الأشهب وانفني إلى راجل! قال: أتراني في قتلك مأثوم؟ قال: بل ماء بصل يا أمير المؤمنين، فضحك ووصله.
1 / 31