انتدب جماعةٌ من الْأَئِمَّة السالفين ﵃ أَجْمَعِينَ إِلَى تَقْيِيد ذَلِك بالتأليف، وَحفظه بِالْجمعِ والتصنيف، كمالك بن أنس، وَابْن جريج، وسُفْيَان، وَمن بعدهمْ، فَبلغ كل من ذَلِك إِلَى حَيْثُ انْتهى وَسعه، وَأمكنهُ اسْتِيفَاؤهُ وَجمعه، واتصل ذَلِك إِلَى زمَان الْإِمَامَيْنِ أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي ﵄ وعنهم، فخصا من الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك، وإنفاد الوسع فِيهِ، واعتباره فِي الْأَمْصَار والرحلة عَنهُ إِلَى متباعدات الأقطار، من وَرَاء النَّهر إِلَى فسطاط مصر، وانتقاده حرفا حرفا، واختياره سندًا سندًا، بِمَا وَقع اتِّفَاق النقاد من جهابذة الْإِسْنَاد عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيم مِنْهُم لَهُ، وَذَلِكَ نتيجة مَا رزقا من نِهَايَة الدِّرَايَة، وإحكام الْمعرفَة بالصناعة، وجودة التَّمْيِيز لانتقاد الرِّوَايَة، وَالْبُلُوغ إِلَى أَعلَى الْمَرَاتِب فِي الِاجْتِهَاد وَالْأَمَانَة فِي وقتهما، والتجرد لحفظ دين الله الَّذِي ضمن حفظه، وقيض لَهُ الحافظين لَهُ بالإخلاص لله فِيهِ. وَشَاهد ذَلِك مَا وضع الله لَهما وَلَهُم من الْقبُول فِي الأَرْض، على مَا ورد بِهِ النَّص فِيمَن أحبه الله تَعَالَى، وَأمر أهل السَّمَوَات العلى بحبه.
وَلما انتهيا من ذَلِك إِلَى مَا قصداه، وقررا مِنْهُ مَا انتقداه، على تنائيهما فِي الِاسْتِقْرَار حِين الْجمع وَالِاعْتِبَار، أخرجَا ذَلِك فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ المنسوبين إِلَيْهِمَا، ووسم كل واحدٍ مِنْهُمَا كِتَابه بِالصَّحِيحِ، وَلم يتقدمهما إِلَى ذَلِك أحدٌ قبلهمَا، وَلَا
1 / 73