Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
وقد كان الموضوع الرئيسي للعروة الوثقى مصر وسوريا، وثورة المهدي في السودان بالرغم من انتهاء الحركة وموت المهدي واحتلال الإنجليز للسودان ومصر فدية لموت غوردون. فارتباط مصر بالسودان الاحتلال والثورة.
وإذا كان السودان محور مصر الجنوبي فإن سوريا محور مصر الشمالي منذ صلاح الدين ووحدة مصر وسوريا لمواجهة الزحف الصليبي. والتاريخ يكرر نفسه؛ فمصر هي القلب، والساقان في السودان، والرأس في الشام. مصر هي مفتاح الحجاز وباب الأقطار الشامية. لذلك لا يوجد مصري ينتقد سوريا أو سوري ينتقد مصريا نظرا لرابطة الجنس، العروبة.
13
لا فرق بين بر الشام وبر مصر كما هو الحال في نهضة العرب الحديثة. وقد كان معظم تلاميذ الأفغاني من بر الشام، أديب إسحاق، وسليم النقاش، من المسيحيين. وكان أديب إسحاق المسيحي أثيرا عند الأفغاني أكثر من محمد عبده المسلم. وقد حاول الغرب إجبار مصر وسوريا معا على قبول المسيحية. وهو يدعي أن الإسلام متعصب. ومصر أيضا بؤرة محورها الغربي العرب، في المغرب العربي وإن كان الأفغاني لا يشير إليه كثيرا ولا إلى استعمار فرنسا للجزائر منذ 1830م ولتونس بعد مصر مباشرة، ولكن ينبه على نفور العرب بالطبع من الخضوع للأجنبي. ولمصر أيضا محورها في الشرق، في فارس والهند وأفغانستان. فوحدة الأفغان والفرس نواة وحدة الشرق، وظهير للمسألة المصرية. كما أن احتلال مصر وقناة السويس كان ذريعة لحماية الهند؛ فإنجلترا عدو مشترك لمصر والهند حتى لقد أصبح 22 فبراير 1946م عيدا وطنيا عالميا للطلاب يوم أن ضربت إنجلترا مظاهرات الطلاب في مصر والهند في آن واحد. فمصر والهند وريثا الشرق ومحركاه كما اتضح بعد ذلك في حركة عدم الانحياز في هذا العصر بقيادة عبد الناصر ونهرو.
14
فمصر طائر ساقاه في السودان ورأسه في الشام، وجناحه الغربي في المغرب العربي وجناحه الشرقي في فارس والهند. فإذا طارت نهض الشرق والغرب مع القلب، بدلا من أن يقوى الجناح الغربي فتطير متجهة غربا كما يحدث هذه الأيام. (3) مصر للمصريين
والأفغاني هو الذي وضع شعار
مصر للمصريين
الذي تحول إلى عنوان رسالة سليم النقاش التي تقدم بها في باريس للحصول على الدكتوراه، والشعار موجه ضد سيطرة الأجانب على مصر ابتداء من الاحتلال الإنجليزي والامتيازات الأجنبية التي أدت إلى ثورة عرابي. وكان الناس أيام عرابي قسمين: الأول مع توفيق والثاني مع عرابي. الأول فاشل، والثاني متردد. ومع الفشل تضيع الأمة، ومع التردد يغيب الحزم. فدخل الإنجليز مصر بلا حرب حقيقية، بالترغيب والترهيب والدسائس، فابتعد الناس عن عرابي ظانين أن الإنجليز يؤيدون توفيق. تساهل المصريون مع الإنجليز وأحسنوا الظن بحكومة إنجلترا التي أوهمت بأنها جاءت دفاعا عن الشرعية. ولا يوجد من المصريين من يميل إليهم، وذهلوا عن الأسباب التي مكنت الإنجليز من النيل منهم مع أن الإنجليز دخلوا البلاد بمعونتهم. ولو علم المصريون أنه ليس في طاقة الإنجليز حشد أكثر من 20000 جندي لمصر والسودان لقاوموهم في الشرقية وفي منطقة البحيرات. والإنجليز في ارتباك شديد في المسألة المصرية مع ضعفهم في القوة العسكرية وتورطهم بسبب اختلاف الدول حول مقاصدهم. هذه هي الأسباب التي أدت إلى وقوع المصريين تحت سيطرة الإنجليز . القسم الأول يريد الحفاظ على الحالة القديمة وطاعة الخديوي، والثاني يميل إلى عرابي ولكنه يهاب القسم الأول. فارتاب في أمره، ووهنت عزيمته. فدخل الإنجليز مصر من باب الوهم بلا حرب بدعوى تأييد الخديوي وتأديب الثائرين عليه. واقتنع المصريون أن صاحب السيادة الشرعية هو السلطان، ففاز الإنجليز غدرا. ودخل الإنجليز مصر بمعونة المصريين وتأييد الخديوي بفرمان من السلطان. هذا هو الوهم. كما يوحي الوهم بأن الإنجليز قادرون على السيطرة على الأهالي دون مقاومة. وهذا هو الفرق بين الإنجليز ومحمد علي نابغة الدهر فيما حل بمصر، وهو الفرق بين الهدم والبناء، بين الأجنبي والوطني، بين الاستعمار والاستقلال، بين العبودية والتحرر.
15
Page inconnue