Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Genres
عبر الأفغاني عن التيارات الفكرية التي كانت موجودة في القرن التاسع عشر في الغرب خاصة المادية والداروينية والاستشراق، فكان ضحيته، ولم يستطع تجاوزه. فالمادية والداروينية إلحاد وانحلال. والاستشراق نموذجه رينان الذي ينكر على العرب وعلى الساميين كلهم أصالتهم العلمية طبقا للنظرية العنصرية. فالمفكر ابن عصره، ولكنه أطلق الأحكام على المذاهب والتيارات دون أن يقيدها بظروف عصرها. وربما كانت الدعوة إلى العلم «الوضعية» والقوة «نيتشه» والتطور «دارون» أخص ما يميز روح القرن التاسع عشر. وتكون مهمة الأجيال التالية في الإصلاح نقل الأفغاني من الجو الفكري في القرن الماضي إلى الجو الفكري في هذا القرن بكل ما فيه من تحولات، من الاستعمار البريطاني القديم إلى الاستعمار الأمريكي الجديد، ونشأة الصهيونية وإقامة دولتها في فلسطين، وانهيار النظم الشرقية، وبزوغ أفريقيا وحركة تضامن شعوب آسيا وأفريقيا. (5)
بالرغم من نقد الأفغاني الغرب الاستعماري المهيمن والمسيطر على الشرق إلا أن الغرب لديه كما هو الحال لدى رواد عصر النهضة بتياراته الثلاثة: الإصلاح الديني عند الأفغاني، والليبرالية عند الطهطاوي، والعلمية العلمانية عند شبلي شميل، هو نمط التحديث ونموذج التقدم والقدوة في الرقي والعمران، وكأن لسان حاله يقول: فداوني بالتي كانت هي الداء، وقد أدى ذلك الانبهار بالغرب بعد مائة عام إلى مزيد من التغريب حتى نشأ رد الفعل السلفي عليه وشق الصف الوطني بين العلمانية والسلفية إلى حد الاقتتال في الجزائر وتهديد وحدة الدولة في تركيا والتخوين والتكفير المتبادلين في مصر وتونس والعراق وسوريا وشبه الجزيرة العربية. فهل يمكن لجيل جديد أن يحول الموقف من الغرب من نطاق المواقف الانفعالية، الانبهار بالغرب أو رفض الغرب إلى أن يصبح الغرب موضوعا للعلم بدلا من أن يكون فقط مصدرا للعلم؟ ألا يمكن أن يتعود العرب المحدثون دراسة الغرب، نشأة وتطورا، تكوينا وبنية كما درس القدماء اليونان والصين، وأن يؤسسوا علم الاستغراب في مقابل الاستشراق، وأن يصبح الوعي العربي ذاتا، والغرب موضوعا، بدلا من أن يكون الغرب ذاتا والعرب هم الموضوع؟ ألا يمكن التعامل مع الغرب من موقف الندية المعرفية كمقدمة للندية السياسية والاقتصادية والعسكرية؟
5 (6)
ما زالت أداة التغيير الأثيرة عند الأفغاني هي السلطة السياسية طبقا للقول المأثور عن عثمان
إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن . لذلك يتوجه الأفغاني إلى الحكام، السلطان عبد الحميد، خديوي مصر، شاه إيران، ملك أفغانستان. فقد عمل من خلال السلطان عبد الحميد ومبايعته ثم خلع البيعة، وأمير أفغانستان عبد الرحمن خان، وشاه إيران للتوحيد بين إيران وأفغانستان، وعباس حلمي خديوي مصر. كما يعمل من خلال النخبة المثقفة والصفوة العالمة من الأزهر والقواد والأمراء أهل العلم والقوة بالرغم من دعوته إلى الجماهير وتثويره للشعوب وندائه على المسلمين الذباب الذي يصم طنينه آذان بريطانيا، أو الجراد الذي يغرق الجزيرة البريطانية بثقله وكثرة عدده. كما لم يحل قضية ازدواجية السلطة السياسية والسلطة الدينية، وهل وظيفة الثانية إرشاد الأولى دون توقع الصدام بينهما ورغبة كل منهما في السيطرة على الأخرى، مما أدى إلى الفصل بينهما في العلمانية الغربية الحديثة، دون التوحيد بينهما كما تبغي الحركة السلفية المعاصرة. صحيح أنه من كبار الداعين للديموقراطية والشوري والدستور إيجابا مما أدى إلى تعثرها. ولم يستطع القضاء سلبا على الجذور التاريخية والثقافية التي تمنع من الحرية والديموقراطية في وجداننا المعاصر.
6 (7)
ما زال يغلب على فكر الأفغاني تقنين ما ينبغي أن يكون أكثر من تحليل ما هو كائن، وأسلوب الماينبغيات والواجبات مما يجعل من الصعب التمييز بين العلم والأخلاق، بين الواقع والمثال، بين الممكن والواجب، بين الوصف والمعيار، بين الفرع والأصل. وهي طبيعة الفكر التقليدي الذي يتصور الوحي على أنه نمط مثالي مستقل عن الواقع والتاريخ وليس حركة فاعلة فيه. من السهل صياغة خطاب أخلاقي يعبر عن أشواق الناس وتمنياتهم. ومن الصعب تحليل الواقع الموضوعي ومعرفة مكوناته وفعالياته ومساره. لذلك ندر أن يكون من بين المصلحين علماء اجتماع وليس علماء دين. فعالم الاجتماع هو الذي يبدأ من الواقع الاجتماعي، ويضع له تخطيطا من أجل التغيير الاجتماعي. الإصلاح الديني بمعنى ما ينبغي أن يكون مفيدا في مرحلة اليقظة ولكن يصبح مجرد خطابة في مرحلة التغير الاجتماعي. ويجوز في مرحلة الثورة ولكن يعجز عن أن يتحول إلى مرحلة الدولة التي تتطلب التحول من الإصلاح الديني إلى العلم السياسي. إن الوحي ليس فقط مثالا بل واقع. ولا يصف فقط ما ينبغي أن يكون بل أيضا ما هو كائن.
7 (8)
يغلب أسلوب الخطابة والحماسة والنداءات والأوامر. كما حضرت التشبيهات والصور البلاغية والأساطير والرموز، وتشبيهات الصحة والمرض والداء والدواء والجسم الحي. كما امتلأ بالشعر للاستشهاد به. فالشعر في الوجدان العربي ما زال يقوم بدور القرآن والحديث والأمثال. كما غلبت العبارات القصيرة والمواعظ المركزة التي يسهل حفظها ونقلها شفاها، وهي من جوامع الكلم. ولا فرق في ذلك بين القرآن النص والقرآن الحر. فالإنسان خلق جهولا، خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا.
8
Page inconnue