ولا يخفى مع ذلك أنه دائم التعرق أما باحتدام الهواء المحيط وأما بإنعام التدثر للأمان من برده وأما بمتاعب الحركات في مطالبه ومقاصده فيزدحم في مسام جلده ما كان يخرج بالنفشاش رويدًا والتحلل الخفي قليلًا قليلًا إلى ما إذا تراكم في الإبط ذوى بالصنان وان مكث في الارفاغ وخلل الأصابع وباطن الأقدام لم يخل من مكروه والنتن الجوربي بل هو بصدد ريح الحمأ المسنون تفوح من بشرته عند تحّاك الأعضاء الذي لابد منه في الحركات يربكه حك باطن احدى المعصمين على أختها بالتواتر إلى أن يحمان وما في البدن موضع الأوله من العرق والوسخ قسط وان خفى أحيانًا عن البصر - والرأس أشرف عضو فيه كما قال ابن أبي مريم التعمم والتلئم عندما سئل عن سببه؟ ان عضو اجمع ما أعرف به الدنيا واصل بمشاعره إلى المطالب القصوى لحقيق أن أشرفه بالزينة وأخصه بالصيانة عن الأذى والقذى - فتأمل ما ينبع من منافذه دائمًا ويسيل منها متتابعًا من قذر تكره رؤيته ويجتنب مسه بل يستقذر ذكره ثم ربما حسنه عند نعضهم هو النفس الأمارة بالسوء بعزوب اللب في جنون العشق المغطى على عيوب الحب فاستحسن منه قطرات دموعه وشبهها بنثر الدر واستطاب طعم رضابه فمثله بالأرى والخمر وريح نفسه بسحيق المسك والعنبر ولم يشعر لخلاعته ومحونه يقبح ما استحسن إلا إذا تم عليه مفارقة ذلك المستطاب بدون المحبوب أدنى مفارقة أو جمود ما سال من العين والفم فان الدمعة بمكثها في المأقين تنعقدر مصا رهو ببياضة أشبه بالدرة الصافية والبلورية ومتى زايلت عينها والخد - وتلك الريقة شفتها والثغر كرهها ذلك المستطيب ويحتويه وأستجسها بالمس فضلًا عن الذوق وما أظنه مسيغا لمطعوم إذا تفل فيه معشوقة شيئًا من لعابه سيما إذا كانت مع سعلة تصعد بحاء التنحنح نفثا من الرئة إلى الشفة وبخدر بحاء التأخخ لزج الدبس بين الخياشيم إلى الحلاقيم وان عسى علاه اللجاج كانت الحكومة إلى امرئ برئ من آفته فلن يعاند في ان نفسه أحب شيء إليه وان ما يحب سواه فلاجلها وان حبه إياها يخفى عليه عيوبها وعوارها - (فحبك الشيء يعمى ويصم) ثم انه لن يستحسن من نفسه ولن يستطيب منها ما استحسن ذلك من غيره واستطاب ولكنه يستقبحه ويستقذره فيضرحه ولهذا ورد في الأثر نهى عن النفخ في المطعوم والمشروب فيستبن بذلك أن الأصل فيما ذكرناه هو الاستقباح وان الاستحسان فيه عارض حادث والعارض لا محالة زائل وإلى الأصل آئل -
ترويحة
للناس في دنياهم أحوال مختلفة يتقلبون فيها فيحمدون على بعضها ويدمون على بعض وفضل المحامد ظاهر من كراهة صاحب الدام أن يذكر بما فيه منها وحبه التكذب في نسبة المحامد إليه وان لم يكن فعلها هربًا من الخزي وظنًا أنه بمفازة من العذاب ثم أن المحامد قطبها المروءة ومدار المروءة على الطهارة والنظافة والمقتدر عليها باختيار وهو الممكن من الوفر والخارج عنها هو المفتقر الطهر - بالفقر وفيما بينما المكفى في عيشته المرام بمادة تدور ولا تنقطع عنه وسعادته في صديق مخلص ممدوح الخليقة محمود السيرة والطريقة قد اتحدا بالنفس وتغايرا بالبدن كالقول في حق الصديق انه أنت إلا انه غيرك - بنفر كل واحد منهما عمّا لا يرضاه لصاحبه ما يريده لنفسه - واعتبار من أعداد الأصدقاء والندماء كمثله بالواحد فانه محدود بالمبدأ وما وراءه من أعدادهم فليس له حد غير مقدار الحال واتساعه لاصطناعهم وارتباطهم حتى تكون المروءة عند تكاثرهم على حالها ويكون بهم الترقي إلى مراتب الرياسة والملك - والهمة تعتلي بحبالها الخير ورة في طلب الخير لكافة الخليقة عامّة وأهل الجنس خاصّة تمنيا عند العجز وفعلا لدى القدرة - ونفي الإنسان أقرب قريب منه وأولى من تقدم في طلب الخير لها وبعدها ما طاف لها من مواقفتها أدناها فالأدنى من ملبس يماس بدنه ويباشر بشرته وكن يحيط به وخادم يقوم لحاجاته ومطعم ومشرب في أوانيه وآلاته فاما الحسن في الصورة والجمال في الهيئة فهما محبوبان يرغبون فيهما ممن يلاقى حتى أن رسول الله ﷺ كان يستوفد حسان الصور والأسماء وكان ينقا الأسماء المستكرهة في الناس والبقاع والجبال إلى الأسماء المستحسنة - لكن الصور عطايا في الأرحام لا سبيل إلى تغييرها لأحد من الأنام
1 / 7