Jalis Salih
الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي
Chercheur
عبد الكريم سامي الجندي
Maison d'édition
دار الكتب العلمية
Numéro d'édition
الأولى ١٤٢٦ هـ
Année de publication
٢٠٠٥ م
Lieu d'édition
بيروت - لبنان
فَقَالَ ابْن هُبَيْرة: إِن هَذَا لأدبٌ حَسَنٌ مَعَ مَا أرى من حَداثة سنك، فكم أَتَى لَك من السن؟ قَالَ: تسع وَعِشْرُونَ سنة، فلحن الْفَتى، فَأَطْرَقَ ابْن هُبَيْرة كالشامت بِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَو لَحّان أَيْضا مَعَ جميل مَا أَتَى عَلَيْهِ منطقك؟ شِنْتَه وَالله بأقبح الْعَيْب، قَالَ: فأبصر الْفَتى مَا وَقع فِيهِ، فَقَالَ: إِن الْأَمِير أصلحه اللَّه عظُم فِي عَيْني وملأت هيبته صَدْرِي، فَنَطَقَ لساني بِمَا لَمْ يعرفهُ قلبِي، فوَاللَّه إِلَّا مَا أقالني الْأَمِير عثرتي عِنْدَمَا كَانَ من زلتي، فَقَالَ ابْن هُبَيْرة: وَمَا عَلَى أَحَدكُمْ أَن يتَعَلَّم الْعَرَبيَّة فيقيم بهَا أوَدَه، ويَحْضُرَ بهَا سُلْطَانَه، ويُزَيّن بهَا مشهده، وينوءَ بهَا عَلَى خصمة، أَوَ يَرْضَى أَحَدُكُمْ أَن يكون لِسَانه مثل لِسَان عَبده أَوْ أكّاره؟ وَقد أمرنَا لَك بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم، فَإِن كَانَ سَبَقَك لسَانك وَإِلَّا فَاسْتَعِنْ بِبَعْض مَا أوصلناه إِلَيْك، وَلَا يستحيي أَحَدُكُمْ من التَّعَلُّم، فَإِنَّهُ لَوْلَا هَذَا اللِّسَان لَكَانَ الإِنْسَان كالبهيمة الْمُهْملَة، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: أَوْ كالصورة الممثلة، قتل اللَّه الشَّاعِر حَيْث يَقُولُ:
ألم تَرَ مِفْتَاح الْفُؤاد لسانَهُ ... إِذَا هُوَ أبْدى مَا يَقُولُ من الفَمِ
وكائِنْ ترى من صاحبٍ لَك مُعْجَب ... زيادتُه أَوْ نَقْصُه فِي التَّكَلُّم
لسانُ الْفَتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه ... فَلم يبْق إِلَّا صُورَة اللَّحْم والدمِ
قَالَ القَاضِي: فِي هَذَا الْخَبَر: فَإِن رَأَى الْأَمِير يفعل، فَالْأَحْسَن: فَإِن رَأَى فعل، أَوْ فَإِن ير يفعل ليتفق لفظ الشَّرْط وَلَفظ الْجَزَاء، وَفعل الْجَزَاء مُسْتَقْبل فِي الْمَعْنى وَإِن أَتَى بِهِ بِلَفْظ الْمُضِيّ، ومجيئه مختلط عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَر صَوَاب، وَقَالَ زُهَيْر:
وَمن هاب أَسبَاب المنايا يَنَلْنَهُ ... وَلَو نَالَ أَسبَاب السَّمَاء بسُلّمِ
اللّحّانُون من الخَاصَّة
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن عليّ الخَطِبي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَد البربوني، قَالَ: قَالَ أَبُو أَيُّوب يَعْنِي سُلَيْمَان بْن أبي شيخ، وَقَالَ أَبُو الزِّنَاد: كَانَ الْوَلِيد بْن عبد الْملك بْن مَرْوَان لَحّانًا كَأَنِّي اسْمَعْهُ عَلَى مِنْبَر النَّبيّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أهل المَدِينَةِ. قَالَ: وَقَالَ عَبْد الْملك بْن مَرْوَان لرجل من قُرَيْش: إنَّك لرجل لَوْلَا أنَّكَ لحّان، فَقَالَ: وَهَذَا ابْنك الْوَلِيد يلحن، قَالَ: لَكِن ابْني سُلَيْمَان لَا يلحن، قَالَ الرَّجُل: وَأخي فلَان لَا يلحن.
قَالَ أَبُو أَيُّوب: كَانَ ربيعَة الرَّأْي لحّانًا، وَمَالك بْن أنس لَحّانًا.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يحيى الصولي، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَن السُّلَميّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَازِنِيِّ، قَالَ: سمع أَبُو عَمْرو أَبَا حنيفَة يتَكَلَّم فِي الْفِقْه ويلحن فأعجبه كَلَامه واستقبح لحنه، فَقَالَ: إِنَّهُ لَخطابٌ لَوْ ساعده صَوَاب، ثُمَّ قَالَ لأبي حنيفَة: إِنَّك أحوجُ إِلَى إصْلَاح لسَانك من جَمِيع النّاس.
1 / 154