١ قال إنه لو لم يكن أحد تقدمنى إلى معرفة الحق من أمر تدبير بقراط للأمراض الحادة لقد كنت سارعت إلى ما أمرتنى به من الكتاب أيها الشجاع بقطرينس لكن لما كان كثير ممن تقدمنى قد فسر الكتاب الذى وصف فيه بقراط أمر ذلك التدبير تفسيرا صالحا رأيت أن الأجود أن أصف لك بلسانى فى وقت ما سألتنى من ذلك مذهب بقراط فى تدبير أصحاب الأمراض الحادة وذلك أنى رأيت أن الكلام من الحى أبلغ لك فى إفهامك ما قصدت إليه من الكلام الذى تقرأه بدءا فى كتاب فإن بدا لك أن تسأل منه عن شىء قد غمض عليك أو قد ظننت أنه لم يجر القول فيه على الصواب لم تجد فيه جوابا لما قد تسأل عنه فلما رأيتك قد ألححت على بالتقدم إلى بأن يكون ما أصفه لك من أمر ذلك التدبير فى كتاب دون المخاطبة رأيت أن أول ما ينبغى لك أن تعلمه وينبغى لى أن أعلمك إياه أنك إن كنت إنما تقصد إلى أن تعلم مذهب بقراط كله فى ذلك التدبير على الاستقصاء فالرأى لك أن تقرأ فى الكتب التى وضعها كثير من الأطباء ممن تقدم ففسر فيها طريق بقراط فى تدبير الأمراض الحادة وإن كنت إنما تقصد إلى أن تعرف جمل ذلك فقط فإنى مجيبك إلى ما سألت لكنه قد ينبغى لك أن تعلم أن بيان المعنى فى ذلك ينقص بحسب نقصان الكلام الذى يعبر به عنه عن المقدار المعتدل وأن الأمرين جميعا كانا يستجريان منى عن غير إرادة ان أنا أجبتك إلى ما سألت أعنى كتابى فى معنى ليس عندى فيه زيادة على ما تقدم فوصف فيه وأكثر من ذلك أيضا التماسى أن أعبر عن معنى لا يكاد الكلام الواسع يأتى على شرحه وإيضاحه إلا بكد بإيجاز واختصار لم أزل فى كل مرة كنت تقتضينى ما سألت أدافعك وأماطلك به فإذ قد وقعت مدة فيما كنت أدافع به لا بإرادتى لكن مكرها فإنى جاعل افتتاح كلامى قولا قاله بقراط وهو أنه قال أنه متى بلغ المرض منتهاه فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذى هو فى الغاية من اللطافة ومن الأمراض ما يبلغ منتهاه فى اليوم الثانى ومنها فى اليوم الثالث ومنها فى اليوم الرابع ومنها بالجملة فى أحد الأيام التى بعد هذه فما كان من الأمراض لا يأتى عليه بعد مبتدأه مدة طويلة حتى يبلغ منتهاه فليس يغذو فيه المريض بتة حتى ينضج المرض إلا أن يعرض عارض من الأعراض التى تهد القوة فتضطر إلى أن يغذو المريض فأما الأمراض التى لا تبلغ منتهاها إلا بعد مدة طويلة فإن بقراط يرى أنه إن لم يغذ المريض بتة فيها قبل وقت منتهى مرضه سقطت قوته وينبغى فى هذه الأمراض أن يتفكر الطبيب منذ أول المرض وينظر هل يكتفى المريض بأن يقتصر به على السكنجبين أو ماء العسل فيسقى من أحدهما شيئا فى كل يوم إلى وقت منتهى المرض أم هل يحتاج أن يسقى مع ذلك ماء كشك الشعير أم ليس يكتفى بذلك أيضا دون أن يكون مع ماء كشك الشعير شىء من ثفله فأى هذه الأشياء رآه أجود استعمله منذ أول المرض إلا أن يكون المريض قريب العهد بالأكل فجوفه ملآن من الطعام أو هو محتاج إلى فصد أو إلى إسهال أو إلى علاج بحقنة أو بشيافة فإنه يأمر إذا كانت تلك حال المريض أن يستعمل أولا كل واحد من هذه الأشياء التى ذكرت ثم يغذو المريض ويأمر أيضا أن يمسك عن الغذاء فى أوقات نوائب الحمى
[chapter 2]
Page 78