ثم قال في فصل آخر: وعلى أن الغناء من الوجه الحسن والبدن الحسن أحسن، والغناء الشهي من الوجه الشهي والبدن الشهي أشهى. وكذلك الصوت الناعم الرخيم من الجارية الناعمة الرخيمة. وكم بين أن تفدي إذا شاع فيك الطرب مملوكك وبين أن تفدي أمتك، وكم بين أن تسمع الغناء من فم تشتهي أن تقبله وبين فم تشتهي أن تصرف وجهك عنه. وعلى أن الرجال دخلاء على النساء في الغناء، كما رأينا رجالا ينوحون فصاروا دخلاء على النوائح. وبعد، فأيما أحسن وأملح وأشهى وأغنج؟ أن يغنيك فحل ملتف اللحية كث العارضين، أو شيخ منخلع الأسنان مغضن الوجه، ثم يغنيك إذا هو تغنى بشعر ورقاء بن زهير:
رأيت زهيرا تحت كلكل خالد
فأقبلت أسعى كالعجول أبادر
أم أن تغنيك جارية كأنها طاقة نرجس أو كأنها ياسمينة، أو كأنها خرطت من ياقوتة، أو من فضة مجلوة، بشعر عكاشة بن محصن:
من كف جارية كان بنانها
من فضة قد طوقت عنابا
وكان يمناها إذا نطقت به
ألقت على يدها الشمال حسابا
النبيذ
هو مستراح قلبك، ومجال عقلك، ومربع عينك، وموضع أنسك، ومستنبط لذتك، وينبوع سرورك، ومصباحك في الظلام، وشعارك من جميع الأقسام. وكيف وقد جمع أبهة الجلال، ورشاقة الخلال، ووقار البها، وشرف الخير، وعز المجاهدة، ولذة الاختلاس، وحلاوة الزبيب.
Page inconnue