الفصل الرابع
المذهب الجبري: التحدد
(1) ثلاثة معان للجبرية: (أ) من المستحيل على أي شيء أن يكون خلاف ما هو عليه. (ب) مبدأ السببية هو المبدأ السائد. (ج) كل شيء يمكن التنبؤ به إذا ما توافرت معطيات معينة ... (2) النظرية التي تقول إنه من المستحيل على الشيء أن يكون خلاف ما هو عليه. (3) تفسيران لهذه النظرية: (أ) رأي ليبنتز. (ب) رأي اسبنوزا. (4) مناقشة التفسير الأول. (5) مناقشة التفسير الثاني: هذا التفسير يتضمن مغالطة منطقية. ••• (1) يذهب دعاة الجبرية إلى أنها تعني ثلاثة معان مختلفة، وإن كان كل منها يعتمد على الآخر اعتمادا كبيرا. فهي تعني (أ) أنه من المستحيل على الشيء أن يكون خلاف ما هو عليه. (ب) أن مبدأ السببية هو المبدأ السائد في الطبيعة. (ج) أن كل شيء يمكن التنبؤ به إذا توافرت معطيات معينة. وسوف أحاول في هذا الفصل، وفي الفصلين القادمين، أن أقدم عرضا نقديا لهذه المزاعم الثلاثة، وهو عرض سوف ينتهي بنا إلى القول بأن المذهب الجبري - فيما يتعلق بهذه المزاعم الثلاثة - يقوم على غير أساس. (2) ولكي نشرح المعنى الأول للمذهب الجبري، وهو المعنى الذي يقول إنه من المستحيل على الشيء أن يكون خلاف ما هو عليه، يجمل بنا أن نقدم تعريفا للجبرية، أعتقد أن دعاتها يقولون به:
أفرض أن «ج» ترمز إلى الجوهر، و«ص» ترمز إلى «الصفة»، و«ل» ترمز إلى أية لحظة من اللحظات. هناك في هذه الحالة ثلاثة بدائل ممكنة تطرد بعضها بعضا بالنسبة لوضع الجوهر «ج» والصفة «ص» واللحظة «ل» بعضها مع بعض. وهذه البدائل هي: «أ» أن «ج» ليس لها «ص» في «ل» «معناها أن هذا الجوهر ليس له هذه الصفة المعينة في تلك اللحظة المحددة». (ب) أن «ج» لها «ص» في «ل». «أي إن الجوهر له هذه الصفة في هذه اللحظة». (ج) أن «ج» فيما يتعلق بعلاقته ب «ص» يتغير في «ل». تلك هي الحالات المنطقية الثلاث الوحيدة الممكنة بالنسبة للجوهر «ج» من حيث علاقته بالصفة «ص» في اللحظة المعينة «ل». ومن الضروري - منطقيا - أن يوجد واحد فحسب من هذه البدائل الثلاث؛ لأنه من المستحيل منطقيا أن يوجد أكثر من بديل واحد في وقت واحد. وسوف أشير إلى هذه البدائل الثلاثة بالرموز الآتية على التوالي: أ، ب، ج.
وعلى ذلك فإنه يمكن تعريف الجبرية على النحو التالي: الجبرية اسم يطلق على النظرية التي تقول إنه لو كان الجوهر «ج» هو من حيث الواقع في الحالة «ل» فيما يتعلق بالصفة «ص» في اللحظة «ل»، فإن الافتراض المركب الذي يقول إن كل شيء آخر في العالم لا بد أن يكون بالضبط كما كان في الواقع، على حين أن الجوهر «ج» لا بد - بدلا من أن يقع كما وقع - أن يكون في إحدى الحالتين البديلتين الأخريين «أ» أو «ج» فيها يتعلق بالصفة «ص» - أقول: إن هذا الافتراض المركب افتراض مستحيل.
1 (3) هناك موقفان يمكن للفيلسوف الجبري أن يأخذ بأحدهما فيما يتعلق بالتعريف السابق: (أ) كما لاحظ دكتور «برود
C. D. Broad »: «أن الفيلسوف الجبري ليس بحاجة إلى أن يقرر - وهو بصفة عامة لا يفعل ذلك - لا ضرورة ولا استحالة كل من الفقرتين المنفصلتين اللتين يتألف منهما هذا الافتراض المركب، فهو لا يقول: لا بد لكل شيء آخر في العالم حتى اللحظة «ل» أن يكون بالضبط كما كان عليه في الواقع. وهو لا يقول: إنه من المستحيل للجوهر «ج» أن يكون في حالة مختلفة بالنظر إلى الصفة «ص» في اللحظة «ل»، أعني حالة مختلفة عن الحالة التي كان عليها بالفعل في تلك اللحظة. لكن ما يقوله هو أن التركيبة المؤلفة من كون بقية أجزاء العالم لا بد أن تظل كما هي في الواقع حتى هذه اللحظة مع إمكان أن تختلف حالة الجوهر «ج» بالنظر إلى الصفة «ص» في اللحظة - تركيبة مستحيلة. فكل فقرة على حدة في هذا المركب لا يقول الجبري عنها أنها ضرورية أو مستحيلة، لكنه يعلن أن الجمع بينهما مستحيل.»
2
وهذا الموقف يذكرنا برأي «ليبنتز» فيما يتعلق بالإمكان المطلق والتوافق في الإمكان
Compossible
Page inconnue