إشارة
رجل!
همسة
الأشخاص
المنمق
المرحلة الأولى
المرحلة الثانية
المرحلة الثالثة
المرحلة الرابعة
المرحلة الخامسة
Page inconnue
إشارة
رجل!
همسة
الأشخاص
المنمق
المرحلة الأولى
المرحلة الثانية
المرحلة الثالثة
المرحلة الرابعة
المرحلة الخامسة
Page inconnue
جبهة الغيب
جبهة الغيب
أحدوثة شرقية في خمس مراحل
تأليف
بشر فارس
إشارة
كان المؤلف خط نهج هذه المسرحية وقيد جوهرها؛ ورسم أشخاصها في قصة ذات حوار عنوانها «رجل!» خرجت في القاهرة سنة 1942 في «المقتطف»، وفي كتابه «سوء تفاهم»، ثم في «موكب الحياة»: «قصص مختارة من الآداب العالمية» من هدايا «المقتطف»، والقصة منشورة هنا تمهيدا للمسرحية وتبيانا لمصدرها.
وضعت المسرحية باللغتين العربية والفرنسية، وسجل النص الفرنسي شهر ديسمبر سنة 1952 في «جمعية المؤلفين والملحنين المسرحيين»
Société des auteurs et compositeurs dramatiques ، ومركزها باريس، ثم نقل النص إلى الألمانية في خريف سنة 1954 بإيحاء من إدارة مسرح
Burgtheater
Page inconnue
في فينا، وفي سنة 1955 قرأ المؤلف فصولا من النص العربي في دار إذاعة دمشق، ثم في دار إذاعة بيروت؛ وفي الجامعة الأميركية بها، وقد نشرت ثلاثة أناشيد واردة في غضون المسرحية: «غمز قيثار مغترب» في «سوء تفاهم»، «أنشودة الفلاح» في «الأديب» البيروتية سنة 1953، «أيها القيثار» فيها أيضا سنة 1957.
وإذا شاء القارئ، حين يمتحن نفس المؤلف، أن يستزيد من الوقوف على وجهته في القول فله أن يرجع إلى ما كان عرضه وأوضحه، نحو «التوطئة» التي عملها لمسرحيته الأولى: «مفرق الطريق» سنة 1938 ثم 1952، و«كلمة الشاعر» في «المقتطف» أبريل سنة 1945، و«الظلال في الأدب» في «الكاتب المصري» فبراير سنة 1948.
رجل!
في زاوية من زوايا الأرض جبل طال طول تمني الفقير وسأم الغني، جبل اشتد اشتداد شهر الصوم على المتكلفين، والناس يحذقون التكلف؛ لأن الفطرة سلامة.
جبل هب أملس ضامرا جردا، رمح ركزه رب أعياه خلق لا ينزجرون.
كان الجبل سيد أهل الزاوية، يستقبل أعينهم كل صباح فيحد من مرماها، ويعكس عليهم شعاع الشمس فيشترك في اللفح، ويصد عنهم الزعازع فيهدئ ليلهم: مصدر طمأنينة، وصاحب غلبة.
كان أهل الزاوية لا يرفعون الأبصار إلى الجبل إلا وأكفهم مفروشة فوق حواجبهم، وإن تجرأ الطرف وانفسح، فعلى سبيل اللمح: كان الجبل يمزق عزم العين، ولولا هذا الجبل الأملس الضامر الجرد ما كان أهل الزاوية على تلك الحال من الدعة والرقة ... لا بد للناس من شيء يهددهم بالسحق، من شيء متماسك مع تطاول حين تلين أنفسهم.
كان الجبل مصدر طمأنينة، وصاحب غلبة.
وكان الشغل الأكال للأذهان: على رأس الجبل بيت منقور، نقره شيء مجنح هوى من ناحية السماء، ثم زرع فيه عشبا أبيض قصير الورق، من أكل منه - وهو ند في منبته - ظفر بالحياة الأبدية ... السماء تستهوي الخلق أبدا، وتارة تغويهم، السماء جزء من الكون، والكون بهرج.
والطريق إلى ذلك البيت المنقور وعر، معضل. والتصعيد فيه خدعة من خدع الموت، ولم يقو على بلوغ البيت من أهل الزاوية سوى اثنين، وقد عاد أحدهما كسيحا من الإعياء ... هل يقدر رجل على حمل الأبدية؟ وعاد الآخر مكفوفا ... آه من الشمس تقتل من حيث تحيي؛ وهجها ينير ويعمي، أضاءت البيت المنقور أي إضاءة حتى إنها أطفأت العين.
Page inconnue
عاد الكسيح والمكفوف وبين أيديهما الأبد، ولم يدر أحد من أهل الزاوية أيسخران من الموت أم الموت يسخر بهما؟ ••• - «يا رجل، لا تصعد في الجبل.» - «أنا مصعد فيه يا قوم.» - «أتبتغي الأبدية، وأنت بشر؟ أتخرج على سنة الكون؟ كل ما فيه مقدر؛ الجفاف يترقب النبات، الليل راصد للشمس، الموت يحصي على الإنسان أنفاسه.» - «الكون مبذول لنا، لسنا بمدفوعين إلى الكون يعبث بنا ويتحكم في أمرنا، الكون مبذول لنا، فليسخر! قيوده للعبيد، لمن يطوح النظر إلى فوق وكفه مبسوطة فوق حاجبه. هذا الجبل يكسر طرفي، وأنا أريد أن أحدق إليه؛ وأقول له: الآن لا أسارقك النظر، ولا أخشى لمسك وخطفك؛ لأن سرك انتقل إلي، أنت تطويه في رأسك وأنا في عروقي أبثه، أنا أفضلك وأبهرك؛ لأنك صاحب السر، أما أنا فمختلسه. أنت قبضت على المستحيل وهولت به علينا، أنا أجعله برجولتي ممكنا.» - «ولكن الكسيح والمكفوف، ألا تتعظ بهما؟» - «إنهما رغبا في الأبدية طمعا فيها وحدها، أما أنا فأطلبها لتنقاد، لأحس بأني ظافر. هما رغبا فيها للتنعم بالحياة الباقية، وأنا أطلبها لأصرعها ... كالمرأة تستمتعون بها وتلهون، أما أنا فأطرحها تحت همتي لأشعر بأني أملك شيئا نابضا، شيئا أستطيع أن أنشر فيه من إرادتي، وأسل منه إرادته عوضا. إني لا أحس برجولتي إلا إذا وجدتني السلطان القادر على حياة غيري. حياتي لا أملكها، لأني عبد لها تسيرني ولا أجرؤ على الانتقام منها ... لا يقتل نفسه إلا من افتقد حياته فانفلت من ضغطها، ولست كذلك؛ حياتي بين يدي، لكنهما لا تسعانها.»
تمهل الرجل ليتصفح القوم، ثم واصل: «أنا مصعد في الجبل لأغتصب عمري من براثن العدم، فأعود سيد نفسي: إذا ضايقتني أدبتها، سيد جسمي: أفنيه متى أشاء، سيد روحي: أميلها على هواي ... الروح التي حرتم في شأنها سأقبض على أطرافها، وأجعل لها من عظامي إطارا يخنقها، أنا مصعد.»
قال الرجل مقاله، فضحك الكسيح، وبكى المكفوف من خلفه، كأن أحدهما يتمم أخاه، ثم حمل المكفوف الكسيح، وأخذا يتحسسان - هذا بعينه وذاك بقدمه - نعيم الفناء: الأرض وما عليها.
عاد الرجل إلى مقاله: «أنا مصعد، وسألقي إليكم كل يوم بحجر؛ لأعلمكم بأني سالم، حتى أرجع إليكم فتلتفوا حولي، وتسألوني أن أفتك بهذا الكسيح وبهذا المكفوف؛ لأنهما طلبا ما فاتهما خطره، أنا مصعد.»
هدأ الرجل، ومن بين الصفوف برزت فتاة وقالت: «لا تذهب إلى البيت المنقور.»
أخذت الرجل بحة، وهو يقول: «يا حبيبتي ...»
تطلعت الفتاة إليه قلقة البصر حيرى السمع، فأكد الرجل: «نعم، حبيبتي، الآن فقط أناديك: يا حبيبتي، ومن قبل كتمت ما يشغل صدري؛ لأني لو نشرت حبي بين يديك لتعطل إحساسك الدفين به.»
ثبت القلق في البصر، وامتدت الحيرة في السمع، فزاد الرجل: «الروضة التي عن يمينك تجلسين إليها تنقلين البصر؛ فيتزود، فينساب سحر مستتر تحت الجفنين فيغلبهما ويطبقهما، ثم تقبل صاحبة من صواحبك فتصيح: ما أجمل الروضة! فينزعج السحر؛ ويفر من تحت الجفنين، فينفرجان، فترى عينك ما تراه عين صاحبتك: تلمس حواسك الأشياء؛ فتصحو، فتبطل الخلوة بالوهم الخاطر ... الحب والجمال كالبريق الذي في الياقوت الأصفر الرقيق: ماء رعاش في تعاريج جوهرة، فوق الوصف ودون اللمس ... الحب والجمال وماء الجواهر لا تفعل فعلها إلا إذا رفت وراء حجاب شفاف ... يا حبيبتي.»
دنا الرجل من الفتاة التي برزت من بين الصفوف، فارفض القوم، فقالت الفتاة: «لا تذهب إلى البيت المنقور.»
ضمها الرجل إليه: «اليوم أناديك: يا حبيبتي؛ لأني منصرف عنك، لحظة ينشرم اللحم من اللحم يحسن بالألفاظ أن تنفح دما، وهل يفور بالدم غير الألفاظ المقدسة؟»
Page inconnue
فك الرجل الفتاة من الضمة: «وما أحراني الآن بأن أناديك: يا حبيبتي ... إني بباب المعبد، سأدخله في الوقت الذي أختاره، سأدخل معبد الزمان المنزه عن خطر الانفصال، فأختطف من دعائمه حقيقة حرفين متلاحمين: الحاء والباء؛ لأن الحب نفس متصل. اليوم لي الحق أن ألفظ الحرفين؛ لأني قريب الاتحاد بالقوة الراسخة ... آه! يضحكني البشر حين يخرجون حروفا وضعت لغير حلقهم. البشر إلى الزوال، والحب حابس العابر في المقيم، حابس الزمن الدائر في دقة قلب.»
قالت الفتاة التي برزت من بين الصفوف: «لا تذهب إلى البيت المنقور.»
فتدفق الرجل: «أتخشين أن تشغلني الأبدية عنك؟ لا أهواها ولا أشتهيها، إنما أريد أن أذلها، أنت تغارين منها؛ لأنك تحسين ما تكون هبتها لي؛ ستهب لي سرها، ويشق عليك أن ينافس سرك الذائع في صدري سر داخل، ثم تحسين أن الأبدية شيء يماثلك، شيء يمنح السعادة.»
ثم جعل الرجل يقطر كلامه: «لا تغاري يا حبيبتي، سأجعل الأبدية سلما إليك، فأجلس إزاءك ندا إلى ند: أنت امرأة تبسط الدنيا لحبيبها فيسع الأشياء كلها ولا يسعه شيء، وأنا رجل قد نزع قدمه من ورطة الأرض ... كفي عن منعي.»
همهمت الفتاة: «يا حبيبي، لا تذهب إلى البيت المنقور.» •••
وذات يوم لم يسقط حجر، فندد القوم بالرجل، ثم سبوه ... لم يحاول الفوق عليهم ثم يكبو؟!
وفي الليل حلم المكفوف أنه رسام، والكسيح أنه رقاص ... الشماتة فنانة!
ثم مرضت فتاة.
وذات صباح هبط الرجل على القوم سالما، فالتف القوم حوله: «أنت؟ حي؟ هل أكلت من العشب؟» - «عني! الطريق!» - «ولم أمسكت عن إلقاء الحجر؟» - «إلى من ألقي بالحجر؟ لا ترقبوا الشيء من عل، نقبوا في جوف الأرض؛ يا بشر! عني! الطريق!»
دخل الرجل بيت الفتاة التي برزت من بين الصفوف ثم مرضت.
Page inconnue
والفتاة لم تكن في البيت، قتلها الحجر الذي لم يسقط.
خرج الرجل إلى الجبل، وصعد فيه يقصد إلى البيت المنقور يحاسبه.
ولما كان ذات صباح سقط الرجل من الجبل ميتا ... قتل الرب نفسه، والذي قتله بشر.
شتورة «لبنان» أكتوبر 1941
همسة
ليس المسرح بهوا سمرت نوافذه، ثم نقلت إليه نقلا حركات الناس فهزلت حتى التلف. هو قنطرة مسحورة تهف فوقها هبات الكون فتنحرف من إقليم إلى إقليم، من سطح المظهر تنساب في غور المخبر، تخلص من مضيق الخاص إلى رحب العام. للخلق - على تباينهم في الطباع - دخيلة واحدة؛ وإن ترددت بين انقباض وانشراح وفقا للشوط المقطوع في مطالع الرهافة، فكيف يقوم جوهر المسرح إذا علق سره بأشباح جيل من الناس أو بأعراض رقعة من الأرض، لا تتم معهما حقيقة الإنسان، هذا الذي يلف تفاريقه مدار الأزمنة والأمكنة؟
المسرح - كالشعر، كالنحت والتصوير، كالموسيقى والرقص - خصبه من شحنة البشرية كافة، هو لها، ذلك أصل بقاء المسرح اليوناني الأول والمسرح الشكسبيري، وقدر المسرح الذي ابتدعه نفر من المتأخرين مثل بيراندلو وتاجور، وسواء فز النضال بين آلهة وعباد، أو بين الغرائز والروادع، أو بين بيئة وأهلها تجري الخوالج على وعي مرة وفي غفو مرات، أو تلابس حنايا الضمير فلا تبرز إلى مشهد الحس، أو تحجم فلا تدور إطلاقا بإشارة ولا على لسان ولا في خاطر؛ إذ هاجرت إلى غيابة الوجدان فتاهت فأورثت الحرج الذي يفوت همة الظن.
وهذه التوائه إذا ضممت إليها ما يجري غفوا وما يلابس الحنايا حصلت لك مادة أدب المسرح الأصيل، لا يبين أثرها للعين الفاحصة تنظر المعالم دون المغامض. مادة صالحة لسرداب التجارب النفسانية، وهذا الأدب - بعد شكسبير وراسين - تفكك أسه وتخلف مغزاه في أكثر الحال، فصار على الغالب إما إلى لعب وإما إلى محاكاة الواقع المبذول.
كثيرا ما نحس شوارد الشعور ولوامع الإدراك، ولكن تقريبها إلى الأذهان من حظ من حباه رب الكلمة بتلوين المبهم وتشكيل السانح. تلك رسالة الشاعر - والمسرحي الحق شاعر - فهو يهمس بما استعجم على عامة الناس. إنه الغواص على دقائق البشر لخير كانت أو لشر. هنا معقد غايته، ولعل قوله لم يرف على سمع في الحياة الجارية؛ لأنه تناثر من تحليق الوحي، على أن السامع ينفعل له وينزعج به، وقد حدثه حدسه أن القول يصور شيئا خامر فؤاده أو هو مخامره يوما.
هيهات أن يكون المسرح مصنع ترديد: ألفاظ كلها محدودة قاصرة، مطروقة ناحلة، يلوكها الناس على قدر ما تمرسوا به من التعبير. المسرح منبت توليد: كلمات تحوم على نجوى الشاعر وهو يتقصى مسارب الكون ويتقرى مصاعبها رجاء أن يعرف، والعرفان يلوح في لحظة القول، لا في صورة هينة دارجة، بعيد وادي الحقيقة: دوران، موران؛ هل يقربها المتلطف إلا إذا تمور ودار؟ من هنا مأتى الرموز والخطفات.
Page inconnue
وإذا كان أشخاص المسرح لا يفصحون في مجرى العيش على نحو ما ينطقون، وهم بين أيدي الممثلين يلهمهم الشاعر، فذلك أنهم في ذلك المجرى دمى بشرية مقذوفة في لجب العواطف، شأنها شأن الغريق تلاطمه الأمواج فيزيغ صوابه، وأما الناظر على الشاطئ - الشاعر - فيحس عن الغريق بذكاء بصيرته ثم يعبر: الإحساس حق؛ لأنه للبشرية جمعاء، والتعبير حق كذلك، وإن كان خاصا بصاحبه: اقتراح ولده التقاط لماح إلى ما وراء القريب، هنالك، حيث البديهة الثاقبة رفعت دولة البيان النافذ.
الدنيا حقل النضال، النضال اضطرام جوه اضطراب، فالمسرح الذي لا يخفق فيه نضال الأبطال فعلا وقولا إنما هو مسرح كاذب، فاتر، إذا أعطى لا يغني.
إلى سر أمي في حظيرة القدس
ولها إلى كنز الإيناس وتمجيدا لبطولة المحبة.
ب. ف.
18 / 3 / 1960
الأشخاص
فدا:
في نحو الأربعين.
هادي:
Page inconnue
تلميذه.
الإمام.
القوال:
ريس الفلاحين.
الكسيح.
الأعمى.
القيثاري:
وافد من بلد بعيد.
زينة:
دون الثلاثين.
Page inconnue
هنا:
فتاة.
فلاحون:
لفيف من رجال ونساء في طائفتين.
المنمق
سهل خضير عند سفح جبل شاهق وعر. حقل سنابل يشغل آخرة المهاد
La scène . المكان غير محدود وكذلك الزمان، الملابس شرقية خفيفة لا بهرج فيها.
مقترحات للرقص والموسيقى.
المرحلة
دقيقة
Page inconnue
الأولى
القيثار: تأليفات منبسطة
2
الثانية
رقصة تنجزها زينة في ثقل، ثم في خفة، تسندها موسيقى بلا قيثار، أنغامها هائجة ثم علوية
5
موسيقى بلا قيثار: مصدر خشوع
2
القيثار: تقاسيم
3
Page inconnue
الثالثة
القيثار: ائتلافات مضغوطة ومتقطعة
1
القيثار: لحن ميزانه مطلق
موسيقى بلا قيثار، غائمة
3
رقصة ندب بلا موسيقى
2
القيثار: مساوقة رفيقة
الرابعة
Page inconnue
رقصة هفافة تنجزها زينة، تسندها موسيقى غاية في اللطافة
3
موسيقى بلا قيثار يغلب عليها الروحاني
3
ما أحرج الطريق إلى الحياة.
إنجيل متى
قال الله للنفس: اخرجي. قالت: لا أخرج إلا كارهة. قال: اخرجي وإن كرهت.
حديث قدسي
المرحلة الأولى
(الظلام إلى الشدة. فدا وهادي، ثم زينة يبدون كأنهم خيالات. يسمع النظارة خاتمة حوار.)
Page inconnue
فدا (لهادي) :
هادي! قم بنا.
هادي :
أرحل والحياة لا تزال تعانقني؟
فدا :
قم! كل ذاهب. كل يعود.
هادي :
لكن الموت يرصدني في شباك هذه المغامرة.
فدا :
حسبك أن تكون سلكت في الطريق ... هادي! أن تهجر الخيمة بعد أن غلغلت الصحراء في فؤادك، ذلك عود من مطرح سحيق.
Page inconnue
هادي :
إن القشور التي كنت نفضتها عني، بين يديك، رجعت هذه الليلة تتألب علي، وتشلني ... أراني، كما كنت، أخشع لحركات الناس، أرضى بها جارية على نسق هو هو، يوما بعد يوم: تزور ما أشاهد، تيبس ما أحس، حتى تراكبت فجأة سدا بين البصر والبصيرة، (مهلة)
خبرني، أستاذي: لماذا تألبت القشور من جديد؟
فدا :
أنت نفضتها، ولم تفقد قطرة دم. (يخرج) .
زينة (تأتي من الجهة المقابلة، لهادي) :
بالله لا تذهب معه، عسى أن يعدل، عسى ... فأنت لك حظ من قلبه. أنا؟ يا حسرتي.
هادي :
مهلا، زينة! ألمح فيه شرارة حب لك.
زينة (في تأسف) :
Page inconnue
حبه لي ... هل استطعت أن أثيره؟ هل تهز النسمة معبدا من رخام؟ تنوح، تموت عند عتبته. (تخرج. هادي يتبعها. صمت) . (الصبح يتنفس، القيثاري يجتاز المهاد في بطء، وهو يرسل على الأوتار ائتلافات فرحة تتسرع شيئا فشيئا. صمت. في حين يغمر النور الجبل يتفق الفلاحون إلى قلب المهاد. القوال يلحق بهم نشطا.)
القوال (مشيرا إلى الجبل) :
ها هي ذي العالية، ستنا (الجمع يحدون أبصارهم إلى الجبل)
ساعة استحمامها: تغط لأنفها وصدرها وساقها في غلواء الشمس.
الفلاح الأول :
ما أظرفها! تتمطى بعد كل غطة، (للفلاح الثاني)
انظر بالله! انظر! لها حدبة ترتعش، متعاظمة، تدري أنها في ملك عزيز.
الفلاح الثاني :
يا سلام! كيف تتموج تحت اللهب، آه! مستودع لذة.
الفلاح الثالث :
Page inconnue
غوطه لا يجس.
الفلاح الأول :
لا يجس أبدا ... وا أسفا! هل يجرؤ أحد أن ينغز الحدبة، بعد التجربة التي عاناها الكسيح، والأعمى؟
الفلاح الثاني :
يقال إنها مأوى لجنس من الطير، رءوس نسور وأجسام وطاويط.
الفلاح الأول :
متى هم الفجر تسابق الطير في لعق أطرافها.
الفلاح الثالث :
ست، أي ست!
الفلاح الثاني :
Page inconnue
أخ. لو يفض هذا المستودع ...
الفلاح الثالث (للقوال) :
فماذا يا ريس؟
القوال :
النعيم ... جيلا بعد جيل تناقل أجدادنا هذه الهمسة: (في خفوت)
هنالك، في جوف الحدبة، مغارة غامضة، ترفرف فيها نفحة البقاء، منذ القدم، حين استسلم الخلق لجهامة الموت، هوى من أفواه السماء طيف مجنح، نقر المغارة بظفر من ذهب، ثم غرس في صلبها عشبا أبيض، قصيرا، معسول الورق، من أكل منه وهو ند في منبته تملى الحياة إلى الأبد ... السماء تستهوي الخلق أبدا وتارة تغويهم ... ألا من يسلب النفحة؟
الفلاح الثاني :
وهي للنسور غذاء! أف، أف ...
القوال :
منذ القدم نفثها ملائكة دهاة، هل سلبها أحد؟ (يضحك)
Page inconnue
أن نرضى بحرمان دائم، ذلك حظنا. (في وجوم)
نمنع الحياة، ومن المناع؟ ستنا.
الفلاحون (في تجرؤ مكبوت) :
وتخدعنا.
القوال (يستقبل الجبل. في انفجار) :
هذا يومكم؛ لا يوم سواه طول السنة. المحظور مستباح فيه، لكم أن تحدقوا إلى العلياء. هيا! تحدوها بقوة جديدة مستلة من تعظيمكم لها، برشقات العيون، اليوم، عوضوا شهورا ضاعت تقديسا لها، ضاعت وعزماتكم مطرقة، ما أثقل النعاس الذي ركب أجفانكم! (يشير إلى الأرض)
السهل كله فز هذا الصباح؛ وقد نفش خدوده شوك الغضب ... أين صراخكم؟ (الفلاحون يصرخون ويركضون هنا وهنا)
هذي انتفاضة المكبل! يوم ولا يوم سواه ... (بينما الفلاحون يدورون حول حقل السنابل كأنهم عصبة من أهل الغابات في موسم)
لنضربن الأرض بجراحاتنا، لعلنا ندفن تحت هدي السنابل، ما تبقى من همة دمنا، نحن العبيد. هلموا إلى الفرح، نحك بزبده ختم العذاب في أعناقنا! هذا عيدكم يا عرائس، زفها استهزاء الموت، (يكف الفلاحون عن الدوران) .
الفلاح الأول :
Page inconnue
واه! هذا السهل ...
الفلاح الثاني :
أمنه غذائي أم أنا الذي يغذيه؟ (الفلاحون يتناظرون في ارتباك.)
القوال (ينشد) :
وغدير رمى بدمي
عند حقل من الفتن
نزهة الأرض من سقمي
أنا أسطورة الزمن
عند حقل من الفتن
رفه خفة النعم
Page inconnue