معاتبة السِّلْفَين تحسنُ مرّةً ... فإن أكثرا إدمانَها أفسدا الحبّا
وقد قالَ في بعض الأقاويل قائلٌ ... أراد به العُتبى ولم يرد العَتْبا
إذا شئت أن تُقْلى فزُر متتابعًا ... وإنْ شئت أن تزداد حبًّا فزُرْ غبّا
وأخرج ابن عساكر من طريق عمر بن أبي الصهباء قال: مررت بأبي هريرة وهو مستلقٍ واضع ثوبه تحت رأسه وإحدى رجليه على الأخرى وهو يتغنى:
لمَّا رأيتُك لي مُحِبّا ... وإليَّ حينَ أغيبُ صَبّا
أعرضت لا لملالةٍ ... حدثت ولا استحدثْت ذنبا
إلاَّ لقول نبيِّنا ... زوروا على الأيَّام غِبّا
ولقوله من زار غبّا ... منكم يزداد حُبّا
وقال الخطيب في تاريخه: حدثني الأزهري سمعت عيسى بن علي بن عيسى الوزير يقول: أنشدني أبو بكر بن مجاهد عن محمد بن الجهم:
لا تُضْجِرنَّ مريضًا جئت عائده ... إنَّ العيادةَ يومٌ إثر يوميْنِ
بلْ سلْهُ عن حاله وادع الإله له ... واقعدْ بقدر فواقٍ بين حلبينِ
من زار غبّا أخًا دامتْ مودّتُه ... وكانَ ذاك صلاحًا للخليلين
وأخرج أبو محمد عبد الله بن علي التكريتي في كتاب اللباب في مناقب الألباب بسند ضعيف عن الشعبي أن رسول الله ﷺ قال لحيّ من الأنصار: من سيّدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجدّ ابن قيس علي بُخل فيه. فقال رسول الله ﷺ: وأي دواء أدوى من البخل! بل سيدكم عمرو بن الجموح. فسمع حسان بن ثابت مقالة رسول الله ﷺ فقال:
يقول رسول الله والحقُّ قوله ... فقالَ لنا من ذا تعدُّون سيّدا
فقلنا له جدُّ بن قيس على التي ... نُبَخِّلُه فينا وقد نال سُؤددا
فقالَ فأي الداء أدوى من التي ... رميتم بها جدًّا وعلَّى بها يدا
وسوّد عمرو بن الجموح لجوده ... وحُقَّ لعمرو ذي النَّدى أن يُسَوَّدا
إذا جاءه السُّؤال أنهب ماله ... وقالَ خذوه إنَّه عائد غدا
فلو كنتَ يا جدّ بن قيس على التي ... على مثلها عمرو لكنت المسوَّدا
فتبسم رسول الله ﷺ وقال: إن من الشعر لحكما.
وأخرج الخطيب في كتاب البخلاء، وابن عساكر في تاريخه، عن محمد بن مسعر قال: لما حدّث ابن عيينة بحديث جدّ بن قيس أنشدنا لحسان بن ثابت:
وقالَ رسول الله والحق لازمٌ ... لمن سال منَّا من تسمّون سيّدا
فقلنا له جدّ بن قيس على الذي ... نبخّله فينا وقد نال سؤددا
فقالَ وأي الداء أدوى من التي ... رميتم بها جدًّا وأعلى بها يدا
فسوّدَ بشرَ بن البراء لجوده ... وحُقَّ لبشر بن البرا أنْ يُسوَّدا
فليس بخاط خطوة لدنيَّةٍ ... ولا باسط يومًا إلى سوأةٍ يدا
إذا جاءه السُّؤال أنهبَ مالَه ... وقالَ خُذوه إنَّه عائدٌ غدا
فلو كنت يا جدّ بن قيس على التي ... على مثلها بشر لكنت المسوَّدا
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سلمة بن عاصم قال: دخلت على الفراء أعوده، فأطلت وألحفت في السؤال، فقال لي: ادنُ، فدنوت، فأنشدني:
حقّ العبادة يوم بين يومَيْن ... وجِلسةٌ مثلُ لحظِ الطَّرفِ بالعَيْنِ
لا تُبْرِمَنَّ مريضًا في مسائلةٍ ... يكفيك من ذاك تسأل بحرفَيْنِ
وقال ابن النجار في تاريخه: أنبأنا يوسف بن المبارك ابن كامل أنشدنا والدي، أنشدني أحمد بن أبي سعيد القزويني، أنشدني أبو الفرج عبد الغفار بن غريب القرميسيني:
حقُّ العيادة يوم إثرَ يومينِ ... اقعُد قليلًا كمثل اللّحظ بالعين
فقد روى مندل عن عامر خبرًا ... أن لا تُطيل جلوسًا فعل ذي الزَّين
بل سَلْه عن حاله وادعُ الإله له ... يكفيك عن ذاك تسْآل بحرفين
وقال بعضهم:
تعلَّمْ وكن واعيًا للعلوم ... وما قد نبا علمُه عنك سَلْ
فإنَّ السؤال شفاءُ العييّ ... وكم حيرةٍ نتجت عن كَسَلْ
1 / 2