142

قال سيدريك وهو ينهض به من الأرض: «عفوت عنك يا بني. إن ابن هيرورد يعرف كيف يحفظ كلمته، حتى عندما يعطيها لرجل نورماندي.» وأضاف: «إنك على وشك أن تتكلم، ويمكنني أن أخمن الموضوع. يجب على السيدة روينا أن تتم سنتين من الحداد على زوجها الذي كانت مخطوبة له؛ فكل أسلافنا الساكسونيين سيتبرءون منا لو تطرقنا إلى زواج جديد في وقت مبكر عن ذلك، بل إن شبح أثيلستان ذاته سيندفع من كفنه الدامي ويقف أمامنا ليمنع مثل هذا التدنيس لذكراه.»

بدا وكأن كلمات سيدريك قد أقامت شبحا؛ إذ لم يكد ينطق بها حتى فتح الباب على مصراعيه، وظهر أثيلستان متشحا بأكفان القبر، ووقف أمامهم في شحوب وإنهاك وأشبه ما يكون بمخلوق بعث من الموت!

قال سيدريك مخاطبا ما بدا أنه شبح صديقه الراحل: «باسم الرب! إن كنت إنسا فانيا فتكلم! أما إن كنت روحا راحلة فلتقل لأي سبب تعاودنا، أو إن كان بوسعي فعل شيء ينزل السكينة على روحك. حيا كنت أم ميتا، تكلم أيها النبيل أثيلستان إلى سيدريك!»

قال الشبح بهدوء شديد: «سأتكلم عندما أستجمع أنفاسي، وعندما تمنحني الوقت. أقلت إنني حي؟ إنني حي كمن يأكل الخبز والماء لثلاثة أيام تبدو وكأنها ثلاثة دهور.»

قال الفارس الأسود: «عجبا، أيها النبيل أثيلستان. لقد رأيتك بنفسي تسقط أرضا على يد فارس الهيكل الشرس عندما كان الهجوم على توركويلستون يوشك على نهايته، وحسبما ظننت، وحسبما روى وامبا، فإن جمجمتك قد شجت حتى أسنانك.»

قال أثيلستان: «لقد أخطأت الظن يا سيدي الفارس، وكذب وامبا. وعلى الرغم من ذلك فلا فضل لفارس الهيكل الذي استدار سيفه في يده فضربني النصل بالجهة غير الحادة، وتمكنت من تلقي الضربة بيد عصاي الجيدة. لقد فقدت الوعي بالفعل، ولكني لم أجرح. وسقط آخرون من كلا طرفي القتال أرضا، وذبحوا فوقي؛ ومن ثم لم أعد إلى وعيي حتى وجدت نفسي في كفن (كان مفتوحا لحسن حظي) موضوع أمام مذبح كنيسة القديس إدموند. عطست عطسات متكررة، وأصدرت بعض الأنات، واستفقت، وكدت أنهض عندما جاء حافظ غرفة المقدسات ورئيس الدير يجريان في غاية الرعب على إثر الضجة مذهولين، بلا شك، وبالطبع ساءهما أن يجدا الرجل الذي كانا قد افترضا أنهما سيصبحان من ورثته حيا. طلبت نبيذا، فأعطياني بعضا منه، ولكن لا بد أنه كان به كثير من المخدر؛ لأنني نمت بعمق أكثر حتى من ذي قبل، ولم أستيقظ إلا بعد ساعات طويلة؛ فوجدت ذراعي، وكذلك قدمي، محكمة الوثاق، حتى إن كاحلي يؤلماني بمجرد تذكر الأمر، وكان المكان حالك الظلمة. لا بد أنني كنت سأظل هناك لولا بعض الضجة في الدير التي اكتشفت أنها من موكبهم إلى هنا ليتناولوا طعام مأدبة جنازتي، بينما يعلمون تمام العلم كيف وأين دفنت حيا، وخرجوا محتشدين كخروج النحل من خليته. ومع ذلك ذهبوا، وانتظرت الطعام طويلا. ولا عجب في أن حافظ غرفة المقدسات المصاب بالنقرس كان شديد الانشغال بطعامه على أن ينتبه لطعامي. وأخيرا، أقبل علي، وترك لي قطعة من الفطير وقنينة من النبيذ. أكلت وشربت وكنت قد انتعشت عندما، في إضافة لحظي السعيد، أقفل حافظ غرفة المقدسات، الذي كان ثملا للغاية فلم يتمكن من أداء واجبه كسجان على الوجه الملائم، الباب دون أن يحكم إغلاقه؛ ومن ثم أصبح الباب مواربا. أثار الضوء والطعام والنبيذ قدرتي على الابتكار، وكان المشبك المثبتة فيه أغلالي صدئا أكثر مما ظننت. لما وجدت نفسي قد تحررت منه، تحاملت على نفسي صاعدا الدرج بقدر ما يمكن لرجل مثقل بالأغلال وهزيل بفعل الصوم، وجئت إلى هنا بأقصى سرعة، وكان كل من يمر علي من رجل أو طفل يفر من أمامي حيثما ذهبت، معتبرا إياي شبحا، خاصة أنني، حتى لا يعرفني أحد، كنت قد سحبت غطاء رأس الجثة فوق وجهي. ولم أكشف عن هويتي إلا لأمي، قبل أن آتي بحثا عنك، يا صديقي النبيل.»

قال سيدريك: «وها قد وجدتني مستعدا لاستكمال مشاريعنا الباسلة من أجل الشرف والحرية. وأقول لك إنه لن يحل فجر أسعد من فجر غد لخلاص العرق الساكسوني النبيل.»

قال أثيلستان: «لا تحدثني عن خلاص أي أحد؛ فيكفيني أنني خلصت نفسي.»

قال سيدريك: «يا للعار أيها النبيل أثيلستان! أخبر هذا الأمير النورماندي، ريتشارد أوف أنجو، أنه بقلب أسد كقلبه لن يحصل بلا نزاع على عرش ألفريد ما دام لا يزال رجل من نسل المعترف المقدس على قيد الحياة لينازعه عليه.»

قال أثيلستان: «ماذا! أهذا هو الملك النبيل ريتشارد؟»

Page inconnue