مقدمة [التحقيق]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فهذا كتاب "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية" نقدمه للناس في وقت يحتاج الناس إلى معرفة الأحاديث القدسية، وما أكثرها، وكثير من الناس بل ومن طلاب العلم يظن أننا إذا قلنا: هذا حديث قدسي، أنه حديث صحيح، وهذا غير صحيح. فكم من الأحاديث القدسية فيها ضعف، وربما كانت شديدة الضعف أو موضوعة، فهي كالأحاديث النبوية سواء بسواء؛ لذلك كان لابد من البحث عنها، والنظر في أسانيدها، والتحقيق فيها، والحكم عليها حسب قواعد علم مصطلح الحديث، فقد تكون صحيحة، وقد تكون حسنة، وقد تكون موضوعة.
والحافظ المناوي الذي جمع هذه الأحاديث لم يجمعها على أنها صحيحة، بل جمعها جمعًا بغض النظر عن صحتها، وحسنها، وضعفها بل على أنها أحاديث قدسِّية فقط، والشيخ محمد منير بن عبده آغا الدمشقي الذي شرحها لم يتعرض للأحاديث من جهة صحتها وضعفها،
1 / 1
وإنما شرح ألفاظا ومعانيها، وترجم لبعض الرواة كما ذكر رحمه الله تعالى في شرحه لهذه الأحاديث: أنه وجد بعض الأحاديث تحتاج إلى شرح وإيضاح، وعلَّق عليها قدر الحاجة الماسة، وعرَّف الحديث القدسي، وبيَّن الفرق بينه وبين القرآن الكريم؛ ليكون القارئ على بصيرة من أمره.
وقد رتبه المؤلف المناوي على حروف المعجم تسهيلًا لطلاب العلم، فجزى الله تعالى خيرًا المؤلف، والشارح.
هذا وقد قمنا بتخريج الأحاديث القدسية التي جمعها المؤلف المناوي، كما خرجنا الأحاديث التي استشهد بها الشارح صاحب كتاب النفحات السلفية بشرح الأحاديث القدسية الشيخ محمد منير الدمشقي، وترجمنا بعض الأعلام باختصار نرجو الله تعالى أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد القادر الأرناؤوط وطالب عواد
1 / 2
ترجمة المؤلف
هو زين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري. له مؤلفات كثيرة، منها الكبير والصغير، والتام والناقص، عاش في القاهرة، وتوفي بها، من تصانيفه: كنوز الحقائق في الحديث، والتيسير شرح الجامع الصغير، اختصره من شرحه الكبير "فيض القدير شرح الجامع الصغير" و"شرح الشمائل" للترمذي، و"الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية" و"الجواهر المضيئة في الآداب السلطانية" وغيرها من الكتب، منها ما قد طبُع، ومنها ما لم يُطبع.
وكتاب "الإتحافات السنية في الأحاديث القدسية" وهو كتابنا هذا، وهو متساهل في الصحيح والحسن، يعلم ذلك من يطالع كتابه "فيض القدير شرح الجامع الصغير". وهو من كبار علماء مصر، انزوى للبحث والتصنيف، وكان قليل الطعام، كثير السهر، وقد مرض في آخر عمره، وضعفت أطرافه، فكان ولده يستملي منه تآليفه.
توفي سة "١٠٣٠"هـ رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
1 / 3
[مقدمة الشارح]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرحَ قلوبَ أحبابه بأحاديثه القدسية، والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه الناطق بالحكمة، وجوامع الكلم الكلية، وآله وصحبه الباذلين جهدهم في نشرالعلوم، والمشاريع الشرعية، والعرفية.
أما بعد: فيقول أفقر الورى إلى ربه الغني محمد منير بن عبده آغا الدمشقي الأزهري: طلب مني جماعة من طلبة العلم في المعاهد الدينية أن أختار لهم كتابًا في الأحاديث القدسية، وأنشره كي ينتفعوا به مع بيان مخرج الحديث، فنقبت عن ذلك مدة، فعثرت على رسالة الشيخ الوالي المحدث عبد الرؤوف المناوي الحدادي والد محمد تاج الدين في دار الكتب المصرية، فندبت أحد علماء الأزهر إلى نقلها عن أصلها، وبعد أن تمَّ ذلك قابلتها وصححتها، ولما وجدت فيها بعض أحاديث تحتاج إلى شرح، وإيضاح علقت عليها بقدر الحاجة الماسة لذلك، وأرجو الله أن يوفقني إلى نشر الكتب النافعة التي تنهض بالأمة، وتذكرها بسلفها، وما كانوا عليه من المجد، والعز، والسيطرة على غالب ممالك المعمورة.
وأذكرُ هنا تعريف الحديث القدسي، والفرق بينه وبين الحديث النبوي، وبينه وبين القرآن الحكيم؛ ليكون القارئ على بصيرة منها.
1 / 5
أقول:
الحديث القدسي: هو ما أخبرَ الله تعالى به نبيه بإلهام، أو مقام، فأخبر الرسول ﵊ عن ذلك المعنى بعبارة من نفسه.
والحديث النبوي: ما يضاف إلى النبي ﷺ لفظًا ومعنى، فيقال: حديث نبوي، ولا يقال له: حديث قدسي.
والقرآن: هو اللفظ المنزل على محمد ﷺ للإعجاز بسورة منه، المتعبد بتلاوته. وفرَّق الفقهاء بينها: بأن القرآن معجز، وكونه معجزة باقية على ممرِّ الدهور محفوظة من التغيير والتبديل.
وحرمة مسه للمحدِث وتلاوته لنحو الجنب، وروايته عند الإمام أحمد، وكراهته عند الشافعية، وتسمية الجملة منه آية وسورة، ويعطى قارئه بكل حرف عشر حسنات، وأن الصلاة لا تكون إلا بالقرآن، وأن جاحد القرآن يكفر بخلاف جاحد الحديث القدسي، والنبوي، وأنه لابد فيه من كون جبريل ﵇ واسطة بين النبي ﷺ وبين الله تعالى، بخلاف الحديث القدسي، وغير ذلك مما هو مذكرو في محالِّه، والله أعلم.
وقال ملاَّ علي القارئ عليه رحمة الباري: الحديث القدسي: ما يرويه صدر الرواة وبدر الثقات، عليه أفصل الصلوات، وأكمل التحيات عن الله ﵎ تارةً بواسطة جبرائيل ﵇، وتارة بالوحي، والإلهام، والمنام مفوضًا إليه التعبير بأي عبارة شاء من أنواع الكلام.
"تنبيه": وجد في خطبة هذه الرسالة لمحمد المدعو: تاج الدين بن المناوي الحدادي، وفي طرة الرسالة: -جمع الحقير الفقير الراجي فضل ربه القدير محمد المدعو تاج الدين المناوي الحدادي- وفي فهرس دار الكتب المصرية: محمد تاج الدين بن علي بن زيد العابدين - وفي "كشف الظنون" هو للشيخ محمد المعروف بعبد الرؤوف المناوي الحدادي المتوفي سنة "١٠٣٥"، أوَّله: الحمد لله الذي نزَّل أهل الحديث أعلى منازل
1 / 6
الشرف ... إلخ، وهذا كله خلاف الحقيقة، والصواب - على ما يظهر من ترجمة الحافظ: عبد الرؤوف بن تاج العارفين علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري - إنه لعبد الرؤوف، إلا أنه لم يكمله، بل تركه مسودة، فجاء ولده المدعو: تاج الدين، وأكمله بعد أن بيضه، ونسبه إلى نفسه؛ لأن والده عبد الرؤوف عجز في آخر عمره بسبب الأمراض من تكميل كثير من مؤلفاته -على ما جاء في كتاب "خلاصة الأثر" فكان ولده محمد تاج الدين يستملي منه التآليف، ويسطِّرها؛ لذلك نسب ولده: محمد تاج الدين هذه الرسالة لنفسه في خطبتها، وهذا ما اهتديت إليه بعد بحث عميق، والله هو الهادي للصواب، وإليه المرجع والمآب.
1 / 7
[مقدمة المصنف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي نزَّل أهل الحديث أعلى منازل التشريف، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الشريف، العفيف، وآله، وصحبه، المعصومين في المقال عن التبديلِ والتحريف.
وبعد: يقولُ العبدُ الضعيف، الراجي عفو ربه الرؤوف اللطيف محمد المدعو: تاج الدين المناوي الحدادي، كفاه الله شر المناوي، والمعادي:
هذا كتاب أوردت فيه ما وقفت عليه من الأحاديث القدسية، الواردة على لسان خير البرية، مرتبًِا له على حروف المعجم، سائلًا الله أن يغفر لي ما ارتكبته من الزلل، ويرحم، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وسمَّيته "الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية".
شرح حديث: ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات
١- قال الله تعالى: "ابن آدم! أنزلت عليك سبع آيات: ثلاث لي، وثلاث لك، وواحدة بيني وبينك، فأما التي لي: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ والتي بيني وبينك: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، منك العبادة وعليَّ العون، وأما التي لك، ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾
"١. رواه الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي بن كعب.
ش- خاطب الله عباده بخطاب عام شامل المؤمن، والكافر، الذكر، والأنثى، الحر، والعبد بقوله: ابن آدم" أي: أن الله ﷾ أنزل سبع آياتٍ: ثلاثًا
_________
١ رواه الطبراني في الأوسط رقم "٦٤١١" وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ١١٢" وقال: رواه الطبراني في الأوسط وفيه سليمان بن أرقم متروك. فالحديث ضعيف.
1 / 8
مختصةً بالله تعالى، أولها: الحمد لله، الحمد والثناء على الحقيقة لا يكون إلا لله جلَّ اسمه، وتنزهت صفاته، فكل فرد من أفراد الحمد إنما هو لله سبحانه، وتعالى حقيقة؛ لأن النعم منه وإليه.
والثانية: الرحمن الرحيم، يعني: أن هذين الوصفين هما من خواص أسمائه ونعوت جلاله، فهو ﷻ: الرحمن؛ أي: المنعم بجلائل النعم، والرحيم بدقائقها.
قال أبو علي الفارسي١: الرحمن: اسم عام في جميع أنواع الرحمة، يختص به تعالى، والرحيم: إنما هو في جهة المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] .
والثالثة: مالك يوم الدين؛ أي: مالك يوم الحساب والجزاء، يوم يدين الله العبادَ بأعمالهم، ويجازي كل عامل بما عمله، واكتسبه.
وثلاثًا مشتركة بين الرب تعالت أسماؤه، وبين العبد، وهي: إياك نعبد وإياك نستعين ألَّا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، فنخصك بالعبادة والاستعانة في جميع الأمور، لا نفعل عبادة ما إلا لذاتك وعظمة جلالك، فكل عبادة لغيرك أو فيها غيرك شرك، ومردودة على صاحبها، والاستعانة، والالتجاء والمعونة لا تكون إلا بك جل اسمك، وعزَّ ثناؤك، ومنك، فمن استعان بغيرك، وأشرك معك غيرك، فقد أشرك، وجحد نعماءك، وضل سواء الطريق. منك العبادة وعلي العون، أي: فعلى العبد المخلوق القيام بالعبادة التي أمره الله جل ذكره بها وحضه عليها، ومنه طالبها، ومن الله ﷻ المعونة، والتسديد، والقدرة عليها، وتسهيلها، والتوفيق لها، والتيسير لفعلها، والمحافظة عليها.
وأما التي هي خاصة بالعبد: فاهدنا الصرط المستقيم ... إلخ؛ بأن يدعو الله سبحانه في السراء، والضراء بأن يهديه إلى دين الحق الواضح؛ الذي لا اعوجاج فيه، والصراط السوي الذي هو دين الإسلام: الدين الخالص، الدين المشتمل على سعادة الدارين. صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين. غير المغضوب عليهم الذي فسدت إرادتهم، فعلموا الحق وعدلوا عنها،
_________
١ أبو علي الفارسي: هو الحسين بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي الأصل، أحد الأئمة في علم العربية. ولد في "فسا" من أعمال فارس، دخل بغداد سنة "٣٠٧" وتجول في البلدان، وقدم حلب سنة "٣٤١" هـ فأقام مدة عند سيف الدولة، وعاد إلى فارس فصحب عضد الدولة، وتوفي سنة "٣٧٧"هـ.
1 / 9
ولا صراطَ الضالين الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة، لا يهتدون إلى الحق. اللهم أصلحْ حال الأمة الإسلامية، واهدهم للتمسك بالكتاب الحكيم، وسنة من هو بالمؤمنين رحيم!
شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ... ٢- "ابن آدم! تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسدَّ فقرك. وإلا تفعل؛ ملأت صدرك شغلًا، ولم أسدْ فقرك "١. رواه الترمذي، والبيهقي عن أبي هريرة. ش- أمرٌ من الله تعالى لعباده أن يفرِّغوا قلوبهم إلى عبادته تعالى، ولا يشغلوها بالسوى فتملأ صدورهم غنى، فلا ينظرون إلى الدنيا وزهرتها، ولا إلى ما في أيدي الناس. بل الدنيا بأيديهم دون قلوبهم يأخذون الزاد للآخرة، كمثل المسافر ليس له من سفره إلا المرور إلى مقصده، وهذه طريقة السلف الصالح، والقرون الأُول. ويسد فقره بأن لا يحتاج إلى أحد، وتشبع نفسه، وتزهد في الدنيا، وإن لم يفعل ما أمره الله به من ذلك ملأ الله صدره شغلًا؛ بأن يكون همُّه الدنيا، لا يشبع من حطامها؛ لانهماكه فيها، وشرهه، لم يسد فقره، بل يكون دائمًا محتاجًا فيها، ظاهر الفقر، وإن كان لديه مال كثير. فاسأل الله السلامة من الدنيا والميل إليها. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ٣٥٨". والترمذي رقم "٢٤٦٨" في صفة القيامة. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم "٤١٠٧". في الزهد. باب الهمِّ بالدنيا. والبيهقي في الشعب رقم "١٠٣٣٩" والحاكم في المستدرك "٢/ ٤٤٣" وصححه، ووافقه الذهبي، وابن حبان رقم "٢٤٧٧" موارد. من حديث أبي هريرة ﵁. نقول وهو حديث صحيح.
شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر ... ٣- "ابن آدم! اذكرني بعد الفجر، وبعد العصر ساعةً أكفكَ ما بينهما" ١. رواه مسلم في الزهد، وأبو نعيم عن أبي هريرة. _________ ١ رواه عبد الله في زوائد الزهد لأحمد ص "٣٧". وقال حدثنا عبد الله بن سندل، حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الحسن عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فيما يذكر عن ربه ﷿. والحسن لم يسمع من أبي هريرة ﵁ كما قال غير واحد. وانظر التهذيب. ورواه أبو نعيم في الحلية "٨/ ٢١٣" وقال أبو نعيم: غريب من حديث الحسن عن أبي هريرة: نقول: وهو حديث ضعيف.
شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات ... ٤- "ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات أكفك بهن آخر يومك" ١ _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٥٣". وأبو يعلى رقم "١٧٥٧". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٢٣٥" وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجاله ورجال الصحيح. وهو حديث صحيح.
شرح حديث: ابن آدم! تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ... ٢- "ابن آدم! تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنىً، وأسدَّ فقرك. وإلا تفعل؛ ملأت صدرك شغلًا، ولم أسدْ فقرك "١. رواه الترمذي، والبيهقي عن أبي هريرة. ش- أمرٌ من الله تعالى لعباده أن يفرِّغوا قلوبهم إلى عبادته تعالى، ولا يشغلوها بالسوى فتملأ صدورهم غنى، فلا ينظرون إلى الدنيا وزهرتها، ولا إلى ما في أيدي الناس. بل الدنيا بأيديهم دون قلوبهم يأخذون الزاد للآخرة، كمثل المسافر ليس له من سفره إلا المرور إلى مقصده، وهذه طريقة السلف الصالح، والقرون الأُول. ويسد فقره بأن لا يحتاج إلى أحد، وتشبع نفسه، وتزهد في الدنيا، وإن لم يفعل ما أمره الله به من ذلك ملأ الله صدره شغلًا؛ بأن يكون همُّه الدنيا، لا يشبع من حطامها؛ لانهماكه فيها، وشرهه، لم يسد فقره، بل يكون دائمًا محتاجًا فيها، ظاهر الفقر، وإن كان لديه مال كثير. فاسأل الله السلامة من الدنيا والميل إليها. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ٣٥٨". والترمذي رقم "٢٤٦٨" في صفة القيامة. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. وابن ماجه رقم "٤١٠٧". في الزهد. باب الهمِّ بالدنيا. والبيهقي في الشعب رقم "١٠٣٣٩" والحاكم في المستدرك "٢/ ٤٤٣" وصححه، ووافقه الذهبي، وابن حبان رقم "٢٤٧٧" موارد. من حديث أبي هريرة ﵁. نقول وهو حديث صحيح.
شرح حديث: ابن آدم! اذكرني بعد الفجر ... ٣- "ابن آدم! اذكرني بعد الفجر، وبعد العصر ساعةً أكفكَ ما بينهما" ١. رواه مسلم في الزهد، وأبو نعيم عن أبي هريرة. _________ ١ رواه عبد الله في زوائد الزهد لأحمد ص "٣٧". وقال حدثنا عبد الله بن سندل، حدثنا ابن المبارك عن جبير عن الحسن عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فيما يذكر عن ربه ﷿. والحسن لم يسمع من أبي هريرة ﵁ كما قال غير واحد. وانظر التهذيب. ورواه أبو نعيم في الحلية "٨/ ٢١٣" وقال أبو نعيم: غريب من حديث الحسن عن أبي هريرة: نقول: وهو حديث ضعيف.
شرح حديث: ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات ... ٤- "ابن آدم! اكفني أول النهار أربع ركعات أكفك بهن آخر يومك" ١ _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٥٣". وأبو يعلى رقم "١٧٥٧". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٢٣٥" وقال: رواه أحمد، وأبو يعلى، ورجاله ورجال الصحيح. وهو حديث صحيح.
1 / 10
رواه الإمام أحمد وأبو يعلى عن عقبة بن عامر الجهني.
شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار ... ٥- "ابن آدم! صلِ لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" ١. رواه أحمد عن أبي مرة الطائفي. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٨٧". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٢٣٦" وقال رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح نقول: وهو حديث صحيح. من حديث أبي مرة الطائفي ﵁.
شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك ... ٦- "ابن آدم! عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع، إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنًا في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء" ١. رواه ابن عدي، والبيهقي عن ابن عمر. ش - أي: يابن آدم عندك ما يسد حاجتك على وجه الكفاف، وأنت تحاول أخذ ما يطغيك، ويحملك على الظلم، ومجاوزة الحدود الشرعية، والحقوق المرعية. يابن آدم لا بقليل من الرزق تقنع؛ أي: ترضى، وتكتفي بما قسم لك، ولا من كثير تشبع، بل لا تزال شرهًا، نهمًا، تتطلع لما في أيدي الناس. يابن آدم إذا أصبحت؛ أي: دخلت في وقت الصباح والحال أنك معافى، أي: سالمًا من الآلام، والآثام في جسمك، وبدنك، آمنًا في سربك -بكسر وسكون، أي: نفسك- أو بفتح وسكون- مذهبك وملكك. عندك قوت يومك، وهو ما يقوم بكفايتك في يومك، وليلتك، أو ما يسد الرمق، فعلى الدنيا العفاء -بفتح العين المهملة- أي: الهلاك، والدروس، وذهاب الأثر. قال الزمخرشي٢: ومنه قولهم: عليه العفاء: إذا دعا عليه ليعفو أثره والمعنى: إذا _________ ١ رواه البيهقي في الشعب رقم "١٠٣٦٠". وأبو نعيم في الحلية "٦/ ٩٨" والطبراني في الأوسط "٨٨٧٥". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١٠/ ٢٨٩" وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر الداهري وهو ضعيف: أقول: الداهري قال الذهبي في الكنى ليس بثقة ولا مأمون، وقال الجوزجاني: كذاب. وقال العقيلي: لا يقيم الحديث، ويحدث ببواطيل عن الثقات. ٢ الزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي صاحب "الكشاف" "والمفصَّل" كان رأسًا في البلاغة والعربية. توفي ﵀ سنة "٥٣٨"هـ.
شرح حديث: ابن آدم! صل لي أربع ركعات من أول النهار ... ٥- "ابن آدم! صلِ لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" ١. رواه أحمد عن أبي مرة الطائفي. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٨٧". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٢٣٦" وقال رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح نقول: وهو حديث صحيح. من حديث أبي مرة الطائفي ﵁.
شرح حديث: ابن آدم! عندك ما يكفيك ... ٦- "ابن آدم! عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك، لا بقليل تقنع، ولا من كثير تشبع، إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنًا في سربك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء" ١. رواه ابن عدي، والبيهقي عن ابن عمر. ش - أي: يابن آدم عندك ما يسد حاجتك على وجه الكفاف، وأنت تحاول أخذ ما يطغيك، ويحملك على الظلم، ومجاوزة الحدود الشرعية، والحقوق المرعية. يابن آدم لا بقليل من الرزق تقنع؛ أي: ترضى، وتكتفي بما قسم لك، ولا من كثير تشبع، بل لا تزال شرهًا، نهمًا، تتطلع لما في أيدي الناس. يابن آدم إذا أصبحت؛ أي: دخلت في وقت الصباح والحال أنك معافى، أي: سالمًا من الآلام، والآثام في جسمك، وبدنك، آمنًا في سربك -بكسر وسكون، أي: نفسك- أو بفتح وسكون- مذهبك وملكك. عندك قوت يومك، وهو ما يقوم بكفايتك في يومك، وليلتك، أو ما يسد الرمق، فعلى الدنيا العفاء -بفتح العين المهملة- أي: الهلاك، والدروس، وذهاب الأثر. قال الزمخرشي٢: ومنه قولهم: عليه العفاء: إذا دعا عليه ليعفو أثره والمعنى: إذا _________ ١ رواه البيهقي في الشعب رقم "١٠٣٦٠". وأبو نعيم في الحلية "٦/ ٩٨" والطبراني في الأوسط "٨٨٧٥". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١٠/ ٢٨٩" وقال رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو بكر الداهري وهو ضعيف: أقول: الداهري قال الذهبي في الكنى ليس بثقة ولا مأمون، وقال الجوزجاني: كذاب. وقال العقيلي: لا يقيم الحديث، ويحدث ببواطيل عن الثقات. ٢ الزمخشري: أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الزمخشري الخوارزمي النحوي صاحب "الكشاف" "والمفصَّل" كان رأسًا في البلاغة والعربية. توفي ﵀ سنة "٥٣٨"هـ.
1 / 11
كنت كذلك، فقدجمع الله لك ما تحتاجه من الدنيا، فدع عنك ما عداه، واشتغل بما يقربك إلى الله.
قال الغزالي١: ومهما تأملت الناس كلهم وجدتهم يشكون، ويتألمون من أمورٍ وراء هذه الثلاث، مع أنه وبالٌ عليهم، ولا يشكرون نعمة الله فيها. ومرَّ سليمان ﵇ على بلبل بشجرة يحرك رأسه، ويميل ذنبه، فقال: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم. قال يقول: أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العفاء، وصاحت فاختة فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلقِ لم يخلقوا. وقال صالح بن جناح٢ لابنه: إذا مرَّ بك يوم وليلة وقد سَلِم فيهما دينك ومالك، وبدنك، وعيالك؛ فأكثر الشكر لله، فكم من مسلوب دينه ومنزوع ملكه ومهتوك ستره ذلك اليوم وأنت في عافية، ومن هنا نشأ زهد الزاهدين فاستراحت قلوبهم بالزهد، واكتفوا بالورع عن الكد وتفرغت قلوبهم وأعمالهم لبذل الجد في سبيل الحمد، ومُيِّز القريب من البعيد، والشقي من السعيد، والسادة من العبيد، وهذا هو المهيع الذي قبض بسطةَ وجوه القلوب فلم يبق للعاقل حظٌ فيما زاد على كسرة تكسر شهوته، وسترة تواري عورته، وما زاد متجر، إن أنفقه ربحه، وإن ادَّخره خسره.
وفيه حجة لمن فضَّل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث: أن الصحة نعمة عظيم وقعها، جزيل نفعها. بل هي أجل النعم على الإطلاق، وإشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس؛ إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لابدَّ له من ترغيب يشده، وترهيب يرده، ومواعظ ترققه، وأعمال تصدقه، وإخلاص يحققه، لترتفع أستارُ الغفلة عن عيون القلوب، وتكتسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصدأ عن مرائي النفوس. ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم، وبلاغة تناسبه، وبراعة ربطه،
_________
١ الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي الشافعي، حجة الإسلام، وأعجوبة الزمان، صاحب كتاب إحياء علوم الدين توفي ﵀ سنة "٥٠٥"هـ.
٢ صالح بن جناح اللخمي: شاعر دمشقي من العلماء. أدرك التابعين، تنسب إليه مقطوعات لطيفة، وله رسالة في الأدب والمروءة، نشرها الشيخ طاهر الجزائري في مجلة المقتبس.
1 / 12
وحسن انسجامه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] أفاده المؤلف في "فتح القدير" والحديث فيه مقال.
شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح ... ٧- "أحب ما تعبدني به عبدي النُّصح -وفي رواية- لكل مسلم" ١. رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي، والحكيم، وأبونعيم. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٥٤". وابن المبارك في الزهد رقم "٢٠٤". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١/ ٨٧" وقال: رواه أحمد، وفيه عبيد الله ابن زحر، عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف.
شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا ... ٨- "أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا" ١. رواه أحمد، والحكيم، وأبو نعيم عن أبي أمامة، والترمذي عن أبي هريرة. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٢٣٧" ورقم "٧٢٤١". والترمذي رقم "٧٠٠". وابن خزيمة "٢٠٦٢". وابن حبان رقم "٣٥٠٧ و٣٥٠٨". والبغوي رقم "١٧٣٣" من حديث أبي هريرة ﵁. وفي إسناده قرة. وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري. وهو متفق على ضعفه. والحديث إسناده ضعيف.
شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن ... ٩- "إذا ابتليت عبدي المؤمن؛ فصبر، فلم يشكني إلى عُوَّاده؛ أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ثم يستأنف العمل" ١. رواه الحاكم عن أبي هريرة. ش- الابتلاء: الاختبار، والامتحان، والتجربة. قال القتيببي: يقال من الخير: أبليتُه أبليه إبلاءً ومن الشر: بلوته أبلوه بلاء. والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معًا من غير فرق بين فعليهما، ومنه قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]، والعوَّاد: الزوار، وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد، وإن اشتُهر ذلك في عيادة المريض. والمعنى -والله أعلم-: أن العبد المؤمن إذا ابتلاه الله بإحدى بلايا الدنيا، فليصبر، وليحتسب بالله في أجره، وإذا اجتمع بأحد من أصدقائه وأوليائه فلا يظهر له الجزع، والضجر، والألم، وأنه أصيب بكذا، وكذا؛ لأن _________ ١ رواه الحاكم في المستدرك "١/ ٣٤٩". وصححه، ووافقه الذهبي. ومن طريقه البيهقي في سننه "٣/ ٣٧٥" من حديث أبي هريرة ﵁. نقول وهو حديث صحيح.
شرح حديث: أحب ما تعبدني به عبدي النصح ... ٧- "أحب ما تعبدني به عبدي النُّصح -وفي رواية- لكل مسلم" ١. رواه أحمد عن أبي أمامة الباهلي، والحكيم، وأبونعيم. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٥٤". وابن المبارك في الزهد رقم "٢٠٤". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١/ ٨٧" وقال: رواه أحمد، وفيه عبيد الله ابن زحر، عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف.
شرح حديث: أحب عبادي إلي أعجلهم فطرًا ... ٨- "أحب عبادي إليَّ أعجلهم فطرًا" ١. رواه أحمد، والحكيم، وأبو نعيم عن أبي أمامة، والترمذي عن أبي هريرة. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٢٣٧" ورقم "٧٢٤١". والترمذي رقم "٧٠٠". وابن خزيمة "٢٠٦٢". وابن حبان رقم "٣٥٠٧ و٣٥٠٨". والبغوي رقم "١٧٣٣" من حديث أبي هريرة ﵁. وفي إسناده قرة. وهو ابن عبد الرحمن المعافري المصري. وهو متفق على ضعفه. والحديث إسناده ضعيف.
شرح حديث: إذا ابتليت عبدي المؤمن ... ٩- "إذا ابتليت عبدي المؤمن؛ فصبر، فلم يشكني إلى عُوَّاده؛ أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحمًا خيرًا من لحمه، ودمًا خيرًا من دمه، ثم يستأنف العمل" ١. رواه الحاكم عن أبي هريرة. ش- الابتلاء: الاختبار، والامتحان، والتجربة. قال القتيببي: يقال من الخير: أبليتُه أبليه إبلاءً ومن الشر: بلوته أبلوه بلاء. والمعروف أن الابتلاء يكون في الخير والشر معًا من غير فرق بين فعليهما، ومنه قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]، والعوَّاد: الزوار، وكل من أتاك مرة بعد أخرى فهو عائد، وإن اشتُهر ذلك في عيادة المريض. والمعنى -والله أعلم-: أن العبد المؤمن إذا ابتلاه الله بإحدى بلايا الدنيا، فليصبر، وليحتسب بالله في أجره، وإذا اجتمع بأحد من أصدقائه وأوليائه فلا يظهر له الجزع، والضجر، والألم، وأنه أصيب بكذا، وكذا؛ لأن _________ ١ رواه الحاكم في المستدرك "١/ ٣٤٩". وصححه، ووافقه الذهبي. ومن طريقه البيهقي في سننه "٣/ ٣٧٥" من حديث أبي هريرة ﵁. نقول وهو حديث صحيح.
1 / 13
هذا شكوى من الله إلى عباده، وهذا لا يليق. بل يبدي الفرح، والسرور؛ لأن أكثر الابتلاء يكون للعظماء المقربين، والأتقياء المصلحين، ليثبتوا، ويصبروا، فيكونوا قدوةً وأسوةً لغيرهم من الضعفاء ومرضى القلوب. فإذا فعل ذلك أُطلِق من إسار التقليد والتكليف، وغُفِر له ذنوبه، وكفر عنه سيئاته، فكان مع النبيين، والشهداء، والصالحين. اللهم اجعلنا منهم يا أرحم الراحمين!
شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه ... ١٠- "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر؛ عوضته عنهما الجنة" يعني: عينيه. رواه أحمد عن أنس١، والطبراني عن جرير٢. ش- حبيبتيه: تثنية حبيبة، والمراد بهما: عيناه، وأطلق عليهما ذلك لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، وأنفعهما، وليس الابتلاء بالعمى لسخط، بل لدفع مكروه يكون بالبصر، ولتكفير ذنوب، وليبلغه إلى درجة لم يكن يبلغها بعمله. وسبب الحديث: ما أخرجه البيهقي عن أنس أيضًا بلفظ: "قال: مرَّ بنا ابنُ أمِّ مكتوم، فسلم، فقال رسول الله ﷺ: "ألا أحدثكم بما حدثني جبريل: إن الله يقول: حق علي من أخذت كريمتيه أن ليس له جزاءٌ إلا الجنة" ٣. ورواه البيهقي أيضًا عن أنس بلفظ: قال رسول الله ﷺ: "حدثني جبريل عن ربِّ العالمين: أنه قال: جزاء من أخذت كريمتيه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي" ٤ وعبرَّ هنا بكريمتيه؛ لكرمهما _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ١٦٥"، والبخاري رقم "٥٦٥٣" في المرضى: باب فضل من ذهب بصره، والترمذي رقم "٢٤٠٣"، والبيهقي في السنن "٣/ ٣٧٥" من حديث أنس ﵁. ٢ رواه الطبراني في الأوسط "٥٥٧١": والكبير رقم "٢٢٦٣". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه الطبراني في الأوسط، والكبير. وفيه حصين بن عمر ضعفه أحمد وغيره. ووثقه العجلي. من حديث جرير بن عبد الله ﵁، ويشهد له ما قبله. ٣ رواه البيهقي في الشعب رقم "٩٩٦٣". وفي إسناده هلال بن سويد واهٍ. ويقال: هو أبو ظلال، من حديث أنس ﵁، والحديث ضعيف الإسناد. ٤ رواه البيهقي في الشعب رقم "٩٩٦٠". بلفظ المؤلف وفي إسناده أبو ظلال واهٍ ضعفه أبو داود، والنسائي، وابن عدي. والحديث ضعيف الإسناد. ورواه الطبراني في الأوسط رقم "٨٨٥٥"، وأبو يعلى رقم "٤٢١١" بنحوه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وفيه أشرس بن الربيع، ولم أجد من ذكره. وأبو ظلال ضعفه أبو داود، والنسائي، وابن عدي، ووثقه ابن حبان، فالحديث ضعيف الإسناد.
شرح حديث: إذا ابتليت عبدي بحيبيتيه ... ١٠- "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر؛ عوضته عنهما الجنة" يعني: عينيه. رواه أحمد عن أنس١، والطبراني عن جرير٢. ش- حبيبتيه: تثنية حبيبة، والمراد بهما: عيناه، وأطلق عليهما ذلك لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، وأنفعهما، وليس الابتلاء بالعمى لسخط، بل لدفع مكروه يكون بالبصر، ولتكفير ذنوب، وليبلغه إلى درجة لم يكن يبلغها بعمله. وسبب الحديث: ما أخرجه البيهقي عن أنس أيضًا بلفظ: "قال: مرَّ بنا ابنُ أمِّ مكتوم، فسلم، فقال رسول الله ﷺ: "ألا أحدثكم بما حدثني جبريل: إن الله يقول: حق علي من أخذت كريمتيه أن ليس له جزاءٌ إلا الجنة" ٣. ورواه البيهقي أيضًا عن أنس بلفظ: قال رسول الله ﷺ: "حدثني جبريل عن ربِّ العالمين: أنه قال: جزاء من أخذت كريمتيه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي" ٤ وعبرَّ هنا بكريمتيه؛ لكرمهما _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ١٦٥"، والبخاري رقم "٥٦٥٣" في المرضى: باب فضل من ذهب بصره، والترمذي رقم "٢٤٠٣"، والبيهقي في السنن "٣/ ٣٧٥" من حديث أنس ﵁. ٢ رواه الطبراني في الأوسط "٥٥٧١": والكبير رقم "٢٢٦٣". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه الطبراني في الأوسط، والكبير. وفيه حصين بن عمر ضعفه أحمد وغيره. ووثقه العجلي. من حديث جرير بن عبد الله ﵁، ويشهد له ما قبله. ٣ رواه البيهقي في الشعب رقم "٩٩٦٣". وفي إسناده هلال بن سويد واهٍ. ويقال: هو أبو ظلال، من حديث أنس ﵁، والحديث ضعيف الإسناد. ٤ رواه البيهقي في الشعب رقم "٩٩٦٠". بلفظ المؤلف وفي إسناده أبو ظلال واهٍ ضعفه أبو داود، والنسائي، وابن عدي. والحديث ضعيف الإسناد. ورواه الطبراني في الأوسط رقم "٨٨٥٥"، وأبو يعلى رقم "٤٢١١" بنحوه، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه الطبراني في الأوسط. وفيه أشرس بن الربيع، ولم أجد من ذكره. وأبو ظلال ضعفه أبو داود، والنسائي، وابن عدي، ووثقه ابن حبان، فالحديث ضعيف الإسناد.
1 / 14
عند الإنسان، لما فيهما من المنافع، ولذلك نفى المولى تعالى ذكره الحرج عمن فقدهما، ومما يناسب المقام قول حَبْر الأمة عبد الله بن العباس ﵄ لما عُمِي في آخر عمره:
إن يأخذ الله من عينيَّ نورهما ... ففي فؤادي وقلبي منهما نورُ
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دَخلٍ ... وفي فمي صارمٌ كالسيف مشهورُ
شرح حديث إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا ... ١١- "إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني على ما ابتليته، فأجروا له ما كنتم تجرون له" ١. وهو صحيح. رواه أحمد، والطبراني في المعاجم الثلاثة عن أبي الأشعث الصنعاني. ش- في الحديث دلالة على أن العمل الذي يعمله المبتلى قبل ابتلائه مكتوب له، ومدخر عند الله ثوابه، لا ينقطع بابتلائه، كقيام الليل، والأوراد، وغير ذلك مما كان _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٢٣" وأبو نعيم في الحلية "٩/ ٣٠٩-٣١٠" عن إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود عن أبي الأشعث الأصبهاني: أنه راح إلى مسجد دمشق. وهجَّر بالرواح فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه - فقلت: أين تريدان يرحمكما الله؟ قالا: نريدها هنا إلى أخ لنا مريض نعوده فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل، فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة؛ قال له شداد: أبشر بكفارات السيئات، وحط الخطايا. فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله ﷿ يقول: "إني إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا. ويقول الرب ﷿: "أنا قيدت عبدي، وابتليته، وأجروا له كما كنتم تجرون له. وهو صحيح". وفي إسناده راشد ابن داود. وهو الصنعاني الدمشقي فيه خلاف. وثقة ابن معين، ودحيم، وابن حبان، وقال البخاري: فيه نظر. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. نقول فالحديث حسن بطرقه، وشواهده.
شرح حديث إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا ... ١١- "إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمدني على ما ابتليته، فأجروا له ما كنتم تجرون له" ١. وهو صحيح. رواه أحمد، والطبراني في المعاجم الثلاثة عن أبي الأشعث الصنعاني. ش- في الحديث دلالة على أن العمل الذي يعمله المبتلى قبل ابتلائه مكتوب له، ومدخر عند الله ثوابه، لا ينقطع بابتلائه، كقيام الليل، والأوراد، وغير ذلك مما كان _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٢٣" وأبو نعيم في الحلية "٩/ ٣٠٩-٣١٠" عن إسماعيل بن عياش، عن راشد بن داود عن أبي الأشعث الأصبهاني: أنه راح إلى مسجد دمشق. وهجَّر بالرواح فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه - فقلت: أين تريدان يرحمكما الله؟ قالا: نريدها هنا إلى أخ لنا مريض نعوده فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل، فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة؛ قال له شداد: أبشر بكفارات السيئات، وحط الخطايا. فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله ﷿ يقول: "إني إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا. ويقول الرب ﷿: "أنا قيدت عبدي، وابتليته، وأجروا له كما كنتم تجرون له. وهو صحيح". وفي إسناده راشد ابن داود. وهو الصنعاني الدمشقي فيه خلاف. وثقة ابن معين، ودحيم، وابن حبان، وقال البخاري: فيه نظر. وقال في التقريب: صدوق له أوهام. نقول فالحديث حسن بطرقه، وشواهده.
1 / 15
يعتادُه قبل أن يحل به الابتلاء، فسبحانك يا رب من خالق كريم، وإله بعبادك رؤوف رحيم!
شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا ... ١٢- "إذا تقرَّب إليَّ العبد شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتى إلي مشيًا أتيته هرولةً" ١. رواه البخاري عن أنس وأبي هريرة، وأبو عوانة والطبري عن سلمان. هذا الحديث يدل على أن الله ﷾ يتصف بالتقرب، والهرولة، وللعلماء في ذلك مذهبان: مذهب أهل الرعيل الأول من لدن الصحابة إلى آخر القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، وهو أن الله تعالى وتبارك متصف بجميع ما ورد في الكتاب الحكيم، وما جاء في السنة الصحيحة السمحة التي ليلها كنهارها، وعلى الخلق أن تُؤمن بذلك، وتقربلسانها، وتعتقد بجنانها: أن الرب تعالت أسماؤه، وتنزهت صفاته يتصف بها اتصاف ربٍ خالقٍ ليس كمثله شيء، وليس كمثلها شيء، ولا شك، ولاريب أن ما اتصف به خالقنا، ورازقنا يغاير ما اتَّصف به العبد المخلوق المربوب؛ لأن الله تعالى قد أطلق كثيرًا من الأوصاف على ذاته المقدسة في القرآن المجيد التي ليس كمثلها شيء، وأطلقها نفسها على عبده المخلوق الضعيف - راجع كتاب "التوحيد لابن خزيمة" تجد ما يسرك، ويذهب ما اختلج في ضميرك- وإني لأعجب كل العجب من بعض علمائنا المتقدمين، وأساطين المحققين؛ كيف يفرون كل الفرار عندما يسمعون مثل هذه الألفاظ، وأنها تسند إلى الله جل ذكره، وتعالت أسماؤه حقيقة، ويجتهدون لتأويلها طاقتهم، ويوردون تشكيكات، واحتمالات توقع العامي في أمر دينه، وتذهب به المذاهب، وتصرفه عما فُطِر عليه. وماذا عليهم لو وافقوا علماء السلف في ذلك، ووصفوا الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان رسوله وحبيبه محمد سيد الأولين، والآخرين، وعليه كان الصحابة أجمعون حقيقة لا مجازًا. وقالوا عند ذكر كل صفة من صفات الرب الحكيم: ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، وليس كذلك في جانب صفات المخلوق الحادث، فإن صفاته لها مثل، وتتغير، وتتفاوت، ويرطأ عليها ما يضعفها، أو يزيدها قوة إلى غير ذلك مما نشاهده، ونراه. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ١٣٠". والبخاري رقم "٧٥٣٦" من حديث أنس ﵁. ورواه البخاري رقم "٧٥٣٧" من حديث أبي هريرة ﵁.
شرح حديث: إذا تقرب إلي العبد شبرا ... ١٢- "إذا تقرَّب إليَّ العبد شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتى إلي مشيًا أتيته هرولةً" ١. رواه البخاري عن أنس وأبي هريرة، وأبو عوانة والطبري عن سلمان. هذا الحديث يدل على أن الله ﷾ يتصف بالتقرب، والهرولة، وللعلماء في ذلك مذهبان: مذهب أهل الرعيل الأول من لدن الصحابة إلى آخر القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، وهو أن الله تعالى وتبارك متصف بجميع ما ورد في الكتاب الحكيم، وما جاء في السنة الصحيحة السمحة التي ليلها كنهارها، وعلى الخلق أن تُؤمن بذلك، وتقربلسانها، وتعتقد بجنانها: أن الرب تعالت أسماؤه، وتنزهت صفاته يتصف بها اتصاف ربٍ خالقٍ ليس كمثله شيء، وليس كمثلها شيء، ولا شك، ولاريب أن ما اتصف به خالقنا، ورازقنا يغاير ما اتَّصف به العبد المخلوق المربوب؛ لأن الله تعالى قد أطلق كثيرًا من الأوصاف على ذاته المقدسة في القرآن المجيد التي ليس كمثلها شيء، وأطلقها نفسها على عبده المخلوق الضعيف - راجع كتاب "التوحيد لابن خزيمة" تجد ما يسرك، ويذهب ما اختلج في ضميرك- وإني لأعجب كل العجب من بعض علمائنا المتقدمين، وأساطين المحققين؛ كيف يفرون كل الفرار عندما يسمعون مثل هذه الألفاظ، وأنها تسند إلى الله جل ذكره، وتعالت أسماؤه حقيقة، ويجتهدون لتأويلها طاقتهم، ويوردون تشكيكات، واحتمالات توقع العامي في أمر دينه، وتذهب به المذاهب، وتصرفه عما فُطِر عليه. وماذا عليهم لو وافقوا علماء السلف في ذلك، ووصفوا الله بما وصف به نفسه في محكم تنزيله، وعلى لسان رسوله وحبيبه محمد سيد الأولين، والآخرين، وعليه كان الصحابة أجمعون حقيقة لا مجازًا. وقالوا عند ذكر كل صفة من صفات الرب الحكيم: ليس كمثله شيء، وهو السميع العليم، وليس كذلك في جانب صفات المخلوق الحادث، فإن صفاته لها مثل، وتتغير، وتتفاوت، ويرطأ عليها ما يضعفها، أو يزيدها قوة إلى غير ذلك مما نشاهده، ونراه. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٣/ ١٣٠". والبخاري رقم "٧٥٣٦" من حديث أنس ﵁. ورواه البخاري رقم "٧٥٣٧" من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 16
وهاك جملة من كلام المؤوِّلين لذلك؛ تحاميًا من الوقوع في التشبيه على ظنهم، وفرارًا من اعتقاد أن الرَّب يتصف بصفات هي تشبه صفات العبيد على زعمهم، فرحم الله المتقدمين، وغفر ما للمتأخرين!
قال الحافظ خاتمة المتأخرين ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري" عند الكلام على هذا الحديث في باب: ذكر النبي ﷺ وروايته عن ربه: قال ابن بطال١: وصف ﷾ نفسه بأنه يتقرب إلى عبده، ووصف العبد بالتقرب إليه، ووصفه بالإتيان والهرولة، كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز، فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات، وتداني الأجسام، وذلك في حقه تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب، فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبرًا، وذراعًا، وإتيانه، ومشيه معناه: التقرب إليه بطاعته، وأداء مفترضاته، ونوافله، ويكون تقربه سبحانه من عبده، وإتيانه المشي عبارة عن إثابته على طاعته، وتقربه من رحمته، ويكون قوله: أتيته هرولة؛ أي: أتاه ثوابي مسرعًا. ونُقِل عن الطبري أنه إنما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه، والضعف من الكرامة والثواب بالذراع، فجعل ذلك دليلًا على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته: أن ثواب عمله له على عمله الضعف، وأن الكرامة مجاوزة حده إلى ما يثيبه الله تعالى. وقال ابن التين: القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ [النجم: ٩] فإن المراد به: قرب الرتبة، وتوفير الكرامة، والهرولة؛ كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد، وتضعيف الأجر. قال: والهرولة ضرب من المشي السريع، وهي دون العدو. وقال صاحب "المشارق": المراد بما جاء في هذا الحديث: سرعة قبول توبة الله لعبد، أو تيسير طاعته، وتقويته عليها، وتمام هدايته، وتوفيقه، والله أعلم بمراده. وقال الراغب: قرب العبد لله من التخصيص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله بها وإن لم تكن على الحد الذي يوصف به الله تعالى، نحو: الحكمة، والعلم، والرحمة، وغيرها، وذلك يحصل بإزالة القاذروات المعنوية من الجهل، والطيش، والغضب، وغيرها بقدر طاقة البشر. وهو قرب روحاني، لا بدني، وهو المراد بقوله: إذا تقرب العبد مني شبرًا تقربت منه ذراعًا. اهـ. وهنا كلام كثير للعلماء المتأخرين،
_________
١ ابن بطال: هو العلامة أبوالحسن، علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي، ويعرف بابن اللحام من كبار المالكية، شارح صحيح البخاري. قال ابن بشكوال كان من أهل العلم والمعرفة توفي سنة "٤٤٩"هـ.
1 / 17
كالفخر الرازي، وإمام الحرمين، وأضرابهما.
وأغرب من ذلك، أني لازمت شيخًا جليلًا كان يدعو إلى السنة، ومذهب السلف، وينفرمن البدع، وكان حريصًا على ذلك سالكًا مهيع التقشف، ولباس الصوف، وله تلاميذ، وأصحاب في مصر وغيرها كثيرون، ولهم هيئات، وسمات، وكل يدعو إلى ما يدعو إليه ذلك الشيخ، ولكن من الأسف عندما قرب أجله، وحانت منيته ألف كتابًا في التوحيد هدم فيه ماكان بناه مدة حياته، ورجح فيه مذهب الخلف وادَّعى: أن السلف أوَّلوا، ولم يُبينوا، وأما الخلف: فأولوا، وبينوا إلى غير ذلك مما زحزح مركزه من قلوب خواص أصحابه، وسقط من أعينهم، وكسد سوقُ الكتاب، فرحمه الله، وغفر له!
شرح حديث: إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني ... ١٣- "إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني، وصبر على ما ابتليته؛ فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني قيَّدت عبدي هذا، وابتليته، فأجروا عليه ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر ١ وهو صحيح". رواه أحمد، وأبو يعلى، وحميد بن زنجويه، وأبو نعيم، وابن عساكر عن شداد بن أوس. ش- قوله: "مؤمنًا" قيد في ذلك؛ لأن من اتَّصف بالإيمان؛ عمل بأحكامه من صلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍ، وزكاة ... إلخ، ولا جدال في أن من كان كذلك، وابتلي بأشياء منعته من أداءِ نوافله، وأوراده لجدير باستحقاق الثواب حين كان صحيحًا سليمًا. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٢٣". والطبراني في الكبير رقم "٧١٣٦". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٣، ٣٠٤" وقال: رواه أحمد. والطبراني في الكبير والأوسط. كلهم من رواية إسماعيل بن داود عن راشد الصنعاني. وهو ضعيف في غير الشاميين. نقول: والحديث حسن بطرقه، وشواهده.
شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي ... ١٤- "إذا وجهت إلى عبدٍ من عبيد؛ مصيبة في يديه، أو ماله، أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له
شرح حديث: إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني ... ١٣- "إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني، وصبر على ما ابتليته؛ فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني قيَّدت عبدي هذا، وابتليته، فأجروا عليه ما كنتم تجرون له قبل ذلك من الأجر ١ وهو صحيح". رواه أحمد، وأبو يعلى، وحميد بن زنجويه، وأبو نعيم، وابن عساكر عن شداد بن أوس. ش- قوله: "مؤمنًا" قيد في ذلك؛ لأن من اتَّصف بالإيمان؛ عمل بأحكامه من صلاةٍ، وصيامٍ، وحجٍ، وزكاة ... إلخ، ولا جدال في أن من كان كذلك، وابتلي بأشياء منعته من أداءِ نوافله، وأوراده لجدير باستحقاق الثواب حين كان صحيحًا سليمًا. _________ ١ رواه أحمد في المسند "٤/ ١٢٣". والطبراني في الكبير رقم "٧١٣٦". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٣، ٣٠٤" وقال: رواه أحمد. والطبراني في الكبير والأوسط. كلهم من رواية إسماعيل بن داود عن راشد الصنعاني. وهو ضعيف في غير الشاميين. نقول: والحديث حسن بطرقه، وشواهده.
شرح حديث: إذا وجهت إلى عبد من عبيدي ... ١٤- "إذا وجهت إلى عبدٍ من عبيد؛ مصيبة في يديه، أو ماله، أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له
1 / 18
ميزانًا، أو أنشر له ديوانًا" ١. رواه القضاعي، والديلمي، والحكيم الترمذي عن أنس.
ش- سُئل رسول الله ﷺ عن الصبر الجميل، قال: "صبر لا شكوى فيه" ٢، وقال من بثَّ؛ فلم يصبر. والاستحياء صفة من صفات الرب جل ذكره، وفيه الكلام السابق. والديوان: هو ما يكتب فيه أعمال العبد.
_________
١ رواه القضاعي في مسند الشهاب رقم "١٤٦٢". وذكره الغزالي في الإحياء" ٤/ ٧٢"وقال الحافظ العراقي في تخريجه: أخرجه ابن عدي عن أنس ﵁. وسنده ضعيف. نقول: في إسناده يعقوب بن الجهم منهم، والحديث ضعيف.
٢ ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعالى: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ [يوسف: ١٨] وقال رواه هشيم عن عبد الرحمن بن يحيى عن حبان بن أبي حبلة. قال: سئل رسول الله ﷺ، فهو مرسل.
شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خاليًا ... ١٥- "إذا ذكرني عبدي خاليًا ذكرته خاليًا، وإذا ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير من الملأ الذي ذكرني فيه". رواه الطبراني عن ابن عباس١. ش- قوله: خاليًا، أي: منفردًا، ليس معه أحد إما سرًا في نفسه، أو جهرًا، والملأ -مهموز- جمعه أملاء: الجماعة، وقد جاء تفسيره في كثير من كتب اللغة "كالنهاية" وغيره: أشراف القوم، ورؤساؤهم، ومقدموهم الذي يرجع إلى قولهم، وعلله بعضهم بقوله: سموا بذلك لملاءتهم بما يلتمس عندهم من المعروف، وجودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أبهةً، والصدور هيبة، والأنسب بالمقام هنا أن يفسر بالأعم، ولا يخفى على العاقل ما في هذا الحديث من اعتناء الرب تباركت أسماؤه، وتنزهت صفاته بعبده المؤمن الذاكر اللهم اجعلنا من الذاكرين الله في السرِّ والجهر! _________ ١ رواه الطبراني في الكبير رقم "١٢٤٨٤". والبزار رقم "٣٠٦٥". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١٠/ ٧٨" وقال: رواه البزار ورجاله ورجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي، وهو ثقة. نقول: وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة ... ١٦- "إذا بلغ عبدي أربعين سنة؛ عافيته من البلايا الثلاث: من الجنون، والجذام، والبرص. وإذا بلغ خمسين سنة؛ حاسبته حسابًا يسيرًا، وإذا بلغ
شرح حديث: إذا ذكرني عبدي خاليًا ... ١٥- "إذا ذكرني عبدي خاليًا ذكرته خاليًا، وإذا ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير من الملأ الذي ذكرني فيه". رواه الطبراني عن ابن عباس١. ش- قوله: خاليًا، أي: منفردًا، ليس معه أحد إما سرًا في نفسه، أو جهرًا، والملأ -مهموز- جمعه أملاء: الجماعة، وقد جاء تفسيره في كثير من كتب اللغة "كالنهاية" وغيره: أشراف القوم، ورؤساؤهم، ومقدموهم الذي يرجع إلى قولهم، وعلله بعضهم بقوله: سموا بذلك لملاءتهم بما يلتمس عندهم من المعروف، وجودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أبهةً، والصدور هيبة، والأنسب بالمقام هنا أن يفسر بالأعم، ولا يخفى على العاقل ما في هذا الحديث من اعتناء الرب تباركت أسماؤه، وتنزهت صفاته بعبده المؤمن الذاكر اللهم اجعلنا من الذاكرين الله في السرِّ والجهر! _________ ١ رواه الطبراني في الكبير رقم "١٢٤٨٤". والبزار رقم "٣٠٦٥". وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١٠/ ٧٨" وقال: رواه البزار ورجاله ورجال الصحيح غير بشر بن معاذ العقدي، وهو ثقة. نقول: وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
شرح حديث: إذا بلغ عبدي أربعين سنة ... ١٦- "إذا بلغ عبدي أربعين سنة؛ عافيته من البلايا الثلاث: من الجنون، والجذام، والبرص. وإذا بلغ خمسين سنة؛ حاسبته حسابًا يسيرًا، وإذا بلغ
1 / 19
ستين سنة؛ حبَّبت إليه الإنابة، وإذا بلغ سبعين سنةً؛ أحببته للملائكة. وإذا بلغ ثمانين؛ كتبت حسناته، وألقيت سيئاته، وإذا بلغ تسعين؛ قالت الملائكة: أسير الله في أرضه، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وشفع فإذا بلغ أرذل العمر؛ كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير، وإن عمل سيئة لم تكتب" ١. رواه الترمذي عن عثمان بن عفان.
ش- قوله: عبدي الإضافة إضافة تشريف، والمراد بالعبد: العبد الصالح المتقي، المتبع المأمورات، المجتنب المنهيات. والجذام: علة رديئة تنتشر في البدن كله، فيفسد مزاج الأعضاء وهيئتها. والبرص: بياض يظهر في ظاهر البدن، يشوه هيئة الإنسان، وهما داءان عافانا الله وإياك منهما! وأرذل العمر: ما إذا بلغ الهرم حتى يعود كهيئته في حال صباه، لا يعقل من بعد عقله الأول شيئًا، وهوسن الخرف، والعته، نسأل الله السلامة منه! ففي الحديث ترغيب من الله تعالى إلى عباده أن يواظبوا على الطاعات، ويجتهدوا في الأعمال المرضية من حين نشأتهم، فيُحْفظوا من البلايا والأمراض في حال كبرهم.
_________
١ رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص "١٧٦" من حديث عثمان ﵁، وإسناده ضعيف. ورواه أحمد بنحوه في المسند رقم "٥٦٢٦" و"٢/ ٨٩". والبزار "٣٥٨٧". وأبو يعلى رقم "٤٢٤٦" من حديث أنس ﵁ مرفوعًا إلى رسول الله ﷺ، وإسناده ضعيف أيضًا.
شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي ... ١٧- "إذا أحب عبدي لقائي؛ أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي؛ كرهت لقاءه" ١. رواه مالك، والبخاري، والنسائي عن أبي هريرة. ش- فيه إثبات صفة المحبة لله تعالى، وكذلك الكراهة، وفيهما ما تقدم من الاختلاف بين العلماء في ذلك من إبقائهما على حقيقتهما مع التنزيه، أو تأويلهما بأن المحبة إرادة الخير للعبد، وهدايته إليه، وإنعامه عليه. وكذلك يقال في الكراهة، والأسلم التفويض كما هو مذهب السلف، وفيه ترغيب المؤمن بأن يحب الموت؛ لأنه لقاء الله، فيلاحظ العبد لقاء الله فيجتهد في الطاعات، ويكثر من النوافل، ليكون أبيض _________ ١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٤١٨" ورقم "٩٤١٠". والبخاري رقم "٧٥٠٤".ومالك في الموطأ "١/ ٢٤٠". والنسائي في المجتبي "٤/ ١٠". وابن حبان رقم "٣٦٣". والبغوي رقم "١٤٤٨". من حديث أبي هريرة ﵁.
شرح حديث: إذا أحب عبدي لقائي ... ١٧- "إذا أحب عبدي لقائي؛ أحببت لقاءه، وإذا كره لقائي؛ كرهت لقاءه" ١. رواه مالك، والبخاري، والنسائي عن أبي هريرة. ش- فيه إثبات صفة المحبة لله تعالى، وكذلك الكراهة، وفيهما ما تقدم من الاختلاف بين العلماء في ذلك من إبقائهما على حقيقتهما مع التنزيه، أو تأويلهما بأن المحبة إرادة الخير للعبد، وهدايته إليه، وإنعامه عليه. وكذلك يقال في الكراهة، والأسلم التفويض كما هو مذهب السلف، وفيه ترغيب المؤمن بأن يحب الموت؛ لأنه لقاء الله، فيلاحظ العبد لقاء الله فيجتهد في الطاعات، ويكثر من النوافل، ليكون أبيض _________ ١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٤١٨" ورقم "٩٤١٠". والبخاري رقم "٧٥٠٤".ومالك في الموطأ "١/ ٢٤٠". والنسائي في المجتبي "٤/ ١٠". وابن حبان رقم "٣٦٣". والبغوي رقم "١٤٤٨". من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 20
الوجه نقي العمل، ذا صفاتٍ حميدة فيستحق الإنعام؛ وإن كان كل ذلك بفضل الله، وإحسانه.
شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي ... ١٨- "إذا قبضت كريمة عبدي، وهو بها ضنين، فحمدني على ذلك؛ لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة" ١. رواه الطبراني، وابن حبان، وأبو نعيم عن العرباض بن سارية. _________ ١ رواه ابن حبان رقم "٢٩٣١". وإسناده حسن، ورواه البزار رقم "٧٧١"، والطبراني في الكبير "١٨ و٢٥٤و٢٥٧" بإسنادين. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه البزار والطبرني في الكبير، وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف من حديث العرباض بن سارية ﵁. نقول: وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.
شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا ... ١٩- "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا؛ لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة، إذا حمدني عليهما" ١. رواه الترمذي عن أنس. _________ ١ رواه الترمذي رقم "٢٤٠٣" وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وزيد ابن أرقم. قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن غريب من هذا الوجه. وأبو ظلال اسمه هلال. نقول: وهو حديث صحيح بطرقه، وشواهده.
شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر ... ٢٠- "إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر، واحتسب؛ لم أرَ له ثوابًا دون الجنة" ١. رواه البخاري عن أنس، وأحمد عن أبي أمامة٢. ش- تقدم شرح الحديث، وعبرَّ هنا في الحديث الأول بالكريمة بالإفراد، وفي الثاني بالتثنية -كريمتي- وفي الثالث كذلك. الكريمة: العين، وعبر عنها بذلك لأنها أكرم الأعضاء، وأنفعها للإنسان. وقوله: ضنين؛ أي: بخيل. ففيه حث على الصبر إذا _________ ١ رواه البخاري رقم "٥٦٥٣" في المرضى. والبيهقي في السنن "٣/ ٣٧٥" من حديث أنس ﵁. ٢ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٥٨"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٣/ ٣٠٨" وقال: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وفيه إسماعيل بن عياش، وفيه كلام. أقول: إسماعيل بن عياش، قال في التقريب: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّط في غيرهم. والحديث حسن بطرقه، وشواهده.
شرح حديث: إذا قبضْتُ كريمة عبدي ... ١٨- "إذا قبضت كريمة عبدي، وهو بها ضنين، فحمدني على ذلك؛ لم أرضَ له ثوابًا دون الجنة" ١. رواه الطبراني، وابن حبان، وأبو نعيم عن العرباض بن سارية. _________ ١ رواه ابن حبان رقم "٢٩٣١". وإسناده حسن، ورواه البزار رقم "٧٧١"، والطبراني في الكبير "١٨ و٢٥٤و٢٥٧" بإسنادين. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٢/ ٣٠٩" وقال: رواه البزار والطبرني في الكبير، وفيه أبو بكر بن أبي مريم ضعيف من حديث العرباض بن سارية ﵁. نقول: وهو حديث حسن بطرقه وشواهده.
شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا ... ١٩- "إذا أخذت كريمتي عبدي في الدنيا؛ لم يكن له جزاء عندي إلا الجنة، إذا حمدني عليهما" ١. رواه الترمذي عن أنس. _________ ١ رواه الترمذي رقم "٢٤٠٣" وقال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة، وزيد ابن أرقم. قال أبو عيسى: هذا الحديث حسن غريب من هذا الوجه. وأبو ظلال اسمه هلال. نقول: وهو حديث صحيح بطرقه، وشواهده.
شرح حديث: إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر ... ٢٠- "إذا أخذت كريمتي عبدي، فصبر، واحتسب؛ لم أرَ له ثوابًا دون الجنة" ١. رواه البخاري عن أنس، وأحمد عن أبي أمامة٢. ش- تقدم شرح الحديث، وعبرَّ هنا في الحديث الأول بالكريمة بالإفراد، وفي الثاني بالتثنية -كريمتي- وفي الثالث كذلك. الكريمة: العين، وعبر عنها بذلك لأنها أكرم الأعضاء، وأنفعها للإنسان. وقوله: ضنين؛ أي: بخيل. ففيه حث على الصبر إذا _________ ١ رواه البخاري رقم "٥٦٥٣" في المرضى. والبيهقي في السنن "٣/ ٣٧٥" من حديث أنس ﵁. ٢ رواه أحمد في المسند "٥/ ٢٥٨"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "٣/ ٣٠٨" وقال: رواه أحمد، والطبراني في الكبير، وفيه إسماعيل بن عياش، وفيه كلام. أقول: إسماعيل بن عياش، قال في التقريب: صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلِّط في غيرهم. والحديث حسن بطرقه، وشواهده.
1 / 21