وإنما كان كذلك - والله أعلم - وإنما نقول على مقدار ما يلوح لنا ، ويبلغه مقدار أفهامنا: إن آدم عليه السلام أهبط إلى الأرض - وهو أبو البشر وأول الإنس - ولم يكن في زمانه شيء من الكفر ، ولا عبادة الأصنام ، ولم يكن غيره وغير زوجته حواء وأولادهما عليهم السلام ، وكانوا يعرفون حاله ، فلم يكن في أمره شك عندهم ، بوضوح أمره ، وظهور ديانته ، وقلة من بعث إليهم ، فامتد زمان الفترة . وكان بينهما صلى الله عليهما مع ذلك: شيث وإدريس عليهما السلام ، فاستحدث الناس الكفر ، وعبادة الأصنام ، واتخذوا ودا ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا (¬1) .
فابتعث الله سبحانه نوحا صلى الله عليه يدعوهم إلى التوحيد ، وخلع الأصنام والأنداد ، ولبث فيهم كما قال تعالى: { ألف سنة إلا خمسين عاما } [العنكبوت: 14] . فغرقهم الله تعالى بالطوفان حين علم أنهم لا يصلحون . ونجا نوحا صلى الله عليه ومن معه .
ثم كانت الفترة بين نوح وإبراهيم صلى الله عليهما على ما يقوله المؤرخون نحو سبعمائة عام (¬2) . وإنما كانت هذه المدة نحو تلك ، لأن الغرق أعاد حال نوح إلى نحو حال آدم صلى الله عليهما وظهور أمره ، وابتداء البشر منهم . مع أنه لم يكن بقي من الكفار أحد ، إلا أن الناس كانوا قد عرفوا عبادة الأصنام ، واتخاذ الأنداد من دون الله عز وجل ، فأسرعوا بعده في الكفر ، وعبادة الأصنام .
وكان الله تعالى قد بعث هودا إلى عاد لما ازداد تمردهم ، وصالحا صلى الله عليهما بعثه إلى ثمود .
ثم لما ازداد الكفر ظهورا وانتشارا ، ابتعث الله عز وجل إبراهيم صلى الله عليه فدعاهم إلى الله تعالى ، وكسر أصنامهم ، ونبههم على خطأ أفعالهم ، وجدد لهم الذكرى ، وأنزل الله عز وجل عليه الصحف .
Page 56