104

على أنه لو كان مثل كسرى في كثرة أمواله ، وانبساط ملكه ، ووفور حاله ، وعظم هيبته ، مع ما كان يتعلق به من الرغبة والرهبة ، كان لا يتم له ذلك ، بل كان يتعذر عليه جمعهم على ذلك ، وتقريرهم عليه ، فكيف يظن العاقل أنه تم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك ؟!!

على أن مثل هذا التواطئ مما لا يصح وقوعه في العرف ، ومجرى العادة ، وبه يستدل على صحة الأخبار المتواترة ، ولولا تعذر ذلك واستحالته من طريق العادة ، لكان يجوز أن يشك في كثير من (¬1) مخبر الأخبار المتواترة ، وهذا أظهر من أن يحتاج إلى إطالة الكلام فيه .

على أن ذلك لو كان ، لكان لا يجوز أن ينكتم ، بل كان يظهر ظهورا تاما ، على ما تقدم بيانه في باب التحدي . لأن الدواعي تدعو إلى نشر مثله ، والبواعث تبعث على إذاعته ، والأغراض تتوفر في ذلك وتختلف .

على أنه من أين كان يثق بأن من واطأه - لو أمكن ذلك وكان الطريق إليه مستجيبا (¬2) - يفي له بذلك ؟ وكيف كان يأمن أن يتغير رأيه ، فينقض ما بذله حتى يفتضح بذلك ، ويفسد عليه أموره ، ويظهر كذبه ، وهذا ظاهر الفساد .

فبان بهذه الوجوه التي بيناها سقوط ما سألوا عنه في هذا الباب .

Page 156