التجارب وَأَرْجُو إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن لَا يَخْلُو هَذَا الْمُخْتَصر من أحد الْمعَانِي الثَّمَانِية الَّتِي تصنف لَهَا الْعلمَاء بل من كل وَاحِد مِنْهَا وَهِي اختراع مَعْدُوم أَو جمع مفترق أَو تَكْمِيل نَاقص أَو تَفْصِيل مُجمل أَو تَهْذِيب مطول أَو تَرْتِيب مخلط أَو تعْيين مُبْهَم أَو تَبْيِين خطأ كَذَا عدهَا أَبُو حَيَّان وَتمكن الزِّيَادَة فِيهَا
وَإِنَّمَا جمعت هَذَا الْمُخْتَصر الْمُبَارك إِن شَاءَ الله تَعَالَى لمن صنفت لَهُم التصانيف وعنيت بهدايتهم الْعلمَاء وهم من جمع خَمْسَة أَوْصَاف معظمها الاخلاص والفهم والانصاف وَرَابِعهَا وَهُوَ أقلهَا وجودا فِي هَذِه الاعصار الْحِرْص على معرفَة الْحق من أَقْوَال الْمُخْتَلِفين وَشدَّة الدَّاعِي إِلَى ذَلِك الْحَامِل على الصَّبْر والطلب كثيرا وبذل الْجهد فِي النّظر على الانصاف ومفارقة العوائد وَطلب الاوابد فان الْحق فِي مثل هَذِه الاعصار قَلما يعرفهُ إِلَّا وَاحِدًا بعد وَاحِد وَإِذا عظم الْمَطْلُوب قل المساعد فان الْبدع قد كثرت وَكَثُرت الدعاة اليها والتعويل عَلَيْهَا وطالب الْحق الْيَوْم شَبيه بطلابه فِي أَيَّام الفترة وهم سلمَان الْفَارِسِي وَزيد بن عَمْرو بن نفَيْل وأضرابهما رحمهمَا الله تَعَالَى فانهم قدوة الطَّالِب للحق وَفِيهِمْ لَهُ أعظم أُسْوَة فانهم لما حرصوا على الْحق وبذلوا الْجهد فِي طلبه بَلغهُمْ الله إِلَيْهِ وأوقفهم عَلَيْهِ وفازوا من بَين العوالم الجمة فكم أدْرك الْحق طَالبه فِي زمن الفترة وَكم عمي عَنهُ الْمَطْلُوب لَهُ فِي زمن النُّبُوَّة فَاعْتبر بذلك واقتد بأولئك فان الْحق مَا زَالَ مصونا عَزِيزًا نفيسا كَرِيمًا لَا ينَال مَعَ الاضراب عَن طلبه وَعدم التشوف والتشوق إِلَى سَببه وَلَا يهجم على المبطلين المعرضين وَلَا يفاجئ أشباه الانعام الغافلين وَلَو كَانَ كَذَلِك مَا كَانَ على وَجه الأَرْض مُبْطل وَلَا جَاهِل وَلَا بطال وَلَا غافل وَقد أخبر الله تَعَالَى أَن ذَرْء جَهَنَّم هم الغافلون فانا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون مَا أعظم الْمُصَاب بالغفلة والمغتر بطول المهلة
وَمن أعجب الْعَجَائِب دَعْوَى المقلدين للمعارف وَدَعوى المتعصبين للانصاف وأمارة ذَلِك أَنَّك تَجِد العوالم الْكَثِيرَة فِي لطائف المعارف الْمُخْتَلف فِيهَا على رَأْي رجل وَاحِد من القدماء فِي الامصار العديدة والاعصار المديدة
1 / 27