Critique de l'orientalisme et crise de la culture arabe contemporaine : une étude méthodologique
نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
Genres
وهكذا يكون هناك «جوهر واحد» للغرب، هو جوهر السيطرة والهيمنة، يسري على كافة جوانب النشاط الروحي والمادي للمجتمعات الغربية، وينبغي التعامل معه بكل الحذر والتشكك؛ لأنه يصبغ حقيقته المسمومة الباطنة بطلاء خارجي شديد الإغراء.
فهل يختلف هذا الموقف - الذي يسود فكرنا الحالي في اتجاهاته المحافظة والتقدمية معا - اختلافا حقيقيا عن الموقف الاستشراقي الذي نهاجمه؟ ألا يؤدي بنا ذلك إلى الشك في أن المسألة قد لا تكون مسألة سيطرة وهيمنة، بقدر ما هي مسألة حدود لا يمكن تعديها في الإدراك المتبادل بين الثقافات؟
هناك إذن تمركز أوروبي حول الذات، يعد الاستشراق واحدا من أهم مظاهره. ولكن ما نود أن نثبته هو أن هذا التمركز حول الذات أمر لا مفر منه حين يكون الأمر متعلقا بإدراك ثقافة لثقافة أخرى. صحيح أنه قد يقل أو يزيد، بين هذا الباحث أو ذاك، ولكنه هناك دائما. وأكبر دليل على استحالة التخلص منه هو وجوده بصورة واضحة في إدراك الشرق للغرب. فإذا كان من المستحيل أن يصبح الشرق موضوعا «حرا» للبحث عند المفكر الغربي، نتيجة لتدخل عوامل السيطرة السياسية والمصالح الاقتصادية والتراث العدائي القديم ... إلخ، فإن من المستحيل بنفس المقدار أن يصبح «الغرب» موضوعا حرا للبحث عند المفكر الشرقي، بعد تراكم عداوات تاريخية كبرى، وبعد اتساع الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب، وتراجع المجتمعات الشرقية أمام التقدم السريع للغرب، وخضوعها لسيطرته الاستعمارية في كثير من الحالات.
إن هناك «مركزية إسلامية
Islamo-Centrism » تقابل المركزية الأوروبية، وتظهر علاماتها بوضوح في الصورة التي نكونها عن الغرب على كافة المستويات. فعلى المستوى الديني، نريد من المستشرقين أن يكونوا مؤمنين طيبين مصدقين بتعاليم ديننا، ونكاد نطلب إليهم أن يقرءوا الشهادتين حتى يصبحوا مقبولين «ومنصفين». وعلى المستوى الحضاري، نحكم على مجتمعاتهم من خلال قيمنا الخاصة، التي تعطي دورا مفرطا، مليئا بالمتناقضات والمفارقات، للحياة الجنسية، فإذا لم تتطابق حياتهم مع معاييرنا نحن أصبحوا «منحلين». وعلى المستوى التاريخي، يكفي أن نقارن بين منظورنا والمنظور الغربي في «فتح الأندلس»، ونظرتنا إلى نكبة خروج العرب منها، التي هي عند الغربيين حركة تحرر تاريخية كبرى.
23
ونحن نهاجم المعرفة والمناهج الغربية؛ لأنها تجعلنا ممثلين للشرق «الثابت» و«المختلف»، وننسى أننا نحن الذين ندعو إلى هذا الثبات في تصورنا للتاريخ، فضلا عن أننا نعامل الغرب بدوره كما لو كان كيانا واحدا، يتسم كله بالعدوانية، ولا يفهم إلا من حيث هو مضاد لنا.
إن التشويه، إذا جاز أن نطلق عليه هذا الاسم، متبادل بين الطرفين. وإذا كان هناك تشويه تؤدي إليه القوة والسيطرة والرغبة في التعامل مع الشرق بنجاح، فإن هناك تشويها آخر يؤدي إليه الشعور بالضعف وبتفوق الخصم والرغبة في الانتقام منه واللحاق به. ومشكلة ناقدي الاستشراق، وعلى رأسهم إدوارد سعيد، هي أنهم لم يستطيعوا أن يروا إلا النوع الأول، مع أن النوع الثاني ربما كان أخطر وأفدح في نتائجه؛ ذلك لأن الرغبة في السيطرة والتعامل الناجح تقتضي حدا أدنى من الفهم الصحيح للآخر حتى يمكن تحقيق هذا الهدف بأيسر السبل الممكنة. أما الرغبة في تعويض النقص أو الانتقام من العدوان فإن التشويه فيها يكون أخطر، وغير قابل للإصلاح.
وسوف نحاول في الجزء الأخير من هذا البحث إلقاء المزيد من الضوء على هذه النقطة بالذات، أعني موقع النظرة النقدية إلى الاستشراق في مجتمع يحتل مركزا أضعف، وذلك إكمالا للصورة الناقصة التي عرضت للجوانب غير الموضوعية في الاستشراق بوصفه مبحثا علميا يمارس من موقع القوة.
تحليل اجتماعي-نفسي لنقد الاستشراق
Page inconnue