Critique de l'orientalisme et crise de la culture arabe contemporaine : une étude méthodologique
نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية المعاصرة: دراسة في المنهج
Genres
هكذا يوجه اللوم إلى المستشرقين لأنهم عجزوا عن النظر إلى الشرق من حيث هو حاضر متطور له مشكلاته وصراعاته وأمانيه، واكتفوا باختزال تاريخ الشرق كله إلى تلك اللحظة الثابتة الماضية التي يقف عندها التطور، وتعمم هذه اللحظة على التاريخ كله، فتصبح تجريدا شاملا هو «الشرق» أو «الإسلام» ... إلخ.
ولكن، هل كان المستشرقون مخطئين بالفعل في نظرتهم هذه إلى العالم الإسلامي؟ وهل كان هذا التثبيت للتاريخ الشرقي أو الإسلامي وهما من أوهام العقلية التي يخلقها خيال المستشرقين أو شعورهم بالقوة والاستعلاء إزاء الشرق؟ الواقع أننا لو تأملنا موقف التيارات الإسلامية السلفية، بمختلف أشكالها، لما وجدناه يختلف في شيء عن تلك الصورة التي رسمها الاستشراق. فكيف نلوم الاستشراق على أفكار وتصورات تتضمنها دعوة المودودي وحسن البنا وسيد قطب وكبار أقطاب الحركات الإسلامية؟ أليس المثل الأعلى لهؤلاء جميعا هو إسلام القرن السادس أو السابع على الأكثر؟ ألم يتوقف التاريخ بالفعل عند هذه «القمة»، بحيث تكاد تمحى منه كل التطورات الواقعة بين «العصر الذهبي» والعصر الحاضر؟ ألا تؤكد دعوتهم إمكان تكرار الحلول التي أدت إلى ازدهار مجد الإسلام في عصره الأول؟ أليست هذه هي القضية الأساسية في برنامجهم كله، لا يصلح آخر الإسلام إلا بما صلح به أوله؟
فلنتأمل مبدأ أساسيا من مبادئ الدعوة الإسلامية، وهو «صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان»، ولنر كيف يطبق هذا المبدأ، لا على القواعد العامة للدين فحسب، بل على تفاصيل الحياة اليومية، بحيث تقوم المظاهرات الحاشدة لو حدث أدنى تغيير فرعي في أحد بنود قانون الأحوال الشخصية مثلا، أو شيء من التقييد للطلاق أو تعدد الزوجات، ما معنى هذا؟ هل يمكن بعد هذا أن يقال إن فكرة «التطور الموقوف» قد نسبت إلى هذه التيارات شيئا مختلقا، أو أن هناك فرقا كبيرا بين مفهوم «التطور الموقوف» ومفهوم «الصلاحية لكل زمان ومكان» كما ينادي بها المسلمون أنفسهم؟
في هذه الحالة نستطيع أن نقول إن الصورة الاستشراقية تعكس شيئا موجودا بالفعل. وقد لا يكون هذا الشيء تعبيرا عن الواقع الكامل للعالم الإسلامي، ولكنه على الأقل تعبير عن تيار هام له ثقله في حياتنا المعاصرة بوجه خاص، وتزداد أهميته مع نمو ما يسمى «بالصحوة الإسلامية». فهذه الصورة تقدم من خلال إطارها الفكري الخاص تبريرا قويا لتلك النظرة الاستشراقية إلى الإسلام بوصفه «عقيدة أثرية» تتحكم في كافة جوانب تفكير الناس وسلوكهم في تلك المنطقة المسماة بالعالم الإسلامي. وعندما يطبق أصحاب هذه الاتجاهات المعاصرة مبدأ «الإسلام دين ودنيا» بحيث يجعلون العقيدة تحكم جميع تفاصيل سلوك الفرد، حتى في نوع ملبسه وطريقة حديثه وشكل وجهه، فعندئذ يحق لنا أن نجد مبررا لأولئك الذين يجعلون من الإسلام جوهرا ثابتا يحكم كافة جوانب سلوك الإنسان المسلم.
فلنتأمل حادث مقتل الرئيس السادات، بوصفه نموذجا صارخا «للتطور الموقوف». إن الذين قتلوه قد اعترفوا في محاضر التحقيق أنه كان يستحق القتل لأنه سخر من ملابس المحجبات، ولأنه وعد بتطبيق الشريعة الإسلامية ولم يف بوعده، ولأنه خرج من نصوص الشريعة في قانون الأحوال الشخصية الذي قام بتعديله. وقرار القتل قد اتخذ بناء على فتوى عاد فيها مفكرهم وفيلسوفهم إلى كتابات ابن تيمية وعصر التتار، وأقام نوعا من التوازي بين ذلك العصر وعصر السادات.
أما الدوافع الأخرى، الوطنية والاجتماعية والقومية، التي تخيلها المفكرون التقدميون وصفقوا لها، والتي كانت ترتكز على الأخطاء الحقيقية الفادحة لنظام السادات، فلم تكن في ذهن قاتليه على الإطلاق. ومعنى ذلك أن تيارا هاما من أكثر التيارات الإسلامية المعاصرة فعالية ودينامية، لم يستطع أن يفكر في الأحداث الهائلة التي تحيط به في عصره إلا من خلال أحداث موازية حدثت في الماضي البعيد، وعجز تماما عن معالجة الحاضر بمنطقه الخاص، وتوقفت رؤيته للعصر الذي يعيش فيه عند حدود عصر غابر غير قابل للتكرار. وينبغي أن ننتبه إلى أن هذا النمط الفكري أوسع انتشارا بكثير من هذه الجماعة بعينها. فهناك جماعات أكبر منها بكثير، تشاركها هذه الطريقة في التفكير، وإن كانت تختلف عنها في طريقة رد فعلها على الأحداث المعاصرة، وفي إيثارها الدعوة السلمية على الجهاد والعنف. فإذا لم يكن هذا النمط من التفكير «تطورا موقوفا» فماذا يكون؟ وإذا لم يكن نموذجا صارخا لإدراج الزمني والمعاصر في نطاق «اللاتاريخي واللازمني» فماذا يكون؟
فإذا شكا الناقد الأكبر للاستشراق بين العرب المعاصرين من أن الصورة الغربية للإسلام تخلط بين العالم الإسلامي وما يسمى «جوهر الإسلام»، وتتجاهل الصراعات البشرية الفعلية والمطالب المشروعة للمجتمعات الإسلامية، كما تتجاهل اضطهاد الغرب لهذه المجتمعات ووقوفه ضد رغبتها في التحرر والاستقلال، أي - باختصار - تتجاهل الحقائق المعاصرة للعالم الإسلامي، مكتفية بذلك التعميم والتجريد المسمى بالإسلام
19
فلا بد أن نرد عليه بأن هذه السمة تتكرر أيضا في تيارات هامة تؤكد أنها هي الممثلة الحقيقية للإسلام، وتفخر بأن دعوتها تتجه إلى جعل الإسلام في عصره الذهبي معيارا وحيدا للتقدم، ووسيلة وحيدة لمواجهة مشكلات العصر. ولا قيمة في هذه الحالة للقول بأن هذه التيارات لا تمثل العالم الإسلامي كله؛ لأن المهم أنها في دعوتها هذه تؤكد أنها هي التي تعبر عن «جوهر» الإسلام، فضلا عن أنها هي الأكثر جاذبية للشباب في العالم الإسلامي المعاصر. وما دام الأمر كذلك، فلا مفر لنا من أن نستنتج أن رؤية نقاد الاستشراق هؤلاء للعالم الإسلامي ناقصة، فضلا عن أنها رؤية خارجية إلى حد بعيد.
ولقد لاحظ بعض الباحثين العرب في ردود فعلهم على آراء إ. سعيد، أن هناك التقاء بين موقف الاستشراق وموقف دعاة الأصالة الإسلامية، وقام «عزيز العظمة» بتعداد عناصر الالتقاء هذه.
Page inconnue