90

La Rectitude

الاستقامة الجزء الثاني المصحح

Genres

-97- الناس ، ودخل الناس في بيعته أفواجا ، ووفدت إليه على ذلك الوفود ، وأخذ عليهم المواثيق والعهود ، وأظهر كل منهم من أهل المصر به الرضى ، فبين مبايع له على ذلك ، وبين من يخطب له عند قدومه عليه بالإمامة ، وبين من يظهر التسليم بالرضى الظاهر ، وليس يحكم على الناس ولا فيهم بحكم السرائر ، وبعث العمال والولاة في القرى والبلدان ، فلم يعترض عليهم أحد من أهل المصر بتغيير ، ولا ظهر من أحد من أهل المصر كواهية ولا نكير ، فصلى بنزوى الجمعات ، وقبض هو وعماله الصدقات ، وجهز الجيوش وعقد الرايات ، وأنفذ الأحكام ، وجرت له فيما شاء الله في المصر الأقسام ، ولم يبق بلد من بلدان عمان لم يغلب عليه السلطان ، أو نأى عنه في تلك الأيام وذلك الزمان ، إلا جرت فيه أحكامه ، وثبتت عليهم أقسامه ، وأقر في ظاهر الأمر أنه إمامه ، من غير أن يظهر منه في شيء من سريرته ولا علانيته شدة ولا غلظة يخاف بها ويتقي ، ولا هوادة ولا ميل يطمع منه بذلك ويرتجي ، فيصانع عن تقية ، أو يخدع لمطمع ورجية ، بل كان - رحمه الله - لرعيته هينا رفيقا ، بارا بهم شفيقا ، غضيضا عن عوراتهم مقيلا لعثراتهم ، بعيد الغضب عن مشينهم ، قريب الرضى عن محسنهم ، مساويا في الحق بين شريفهم ودنيهم ، و فقيرهم و غنيهم وبعيدهم وعشيرتهم ، منزلا لهم منازلهم ، متفقدا لأمورهم وأحوالهم ، ومشاورا منهم لمن هو دونه ، قابلا من مشاورتهم ما يأمرونه ، فلم يزل - رحمه الله - على ذلك ، يتجشم من رعيته الصبر على الكروب ، ومفارقة الشرور والمحبوب ، ولصبر منهم على الشتم والأذى ، ويسمع منهم الخنا والقذى ، وهو يتأنى في ذلك الأمور ، ويرجو الدائرة من الله أن تدور ، وكثير من أهل مصره ومملكته لعله يتربص به الدوائر ، ويستر له قبح السرائر ، تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر ، وما تخفي صدورهم من الغل والحسد أعظم وأكبر ، قد استحوذ عليهم الشيطان ، وغلب عليهم العدو والشنآن ، ومنهم من يتربص به

الدائرة ، ويظهر المودة في الأمور الظاهرة ، فإن فتح الله عليه فتحا أظهر إليه السرور و الشرى ، وان كان للعدو نصيب ، ظهرت منه

Page 98