فأخذ السيد عبد الرحمن يبتلع ريقه بصعوبة لجفاف حلقه من إحراج محدثه إياه بأسئلته، وخشي أن يطول سكوته فيزداد الرجل ريبة فيه، فقال له: «إن الله هو الرزاق، وقد تعودنا التنقل من بلد إلى بلد، والحل والترحال بيد الله.»
فضحك عماد الدين وقال: «نعم كل شيء بيد الله، ولكنه - جل شأنه - جعل لكل شيء سببا، فما هو السبب الذي جعلك تترك مصر إلى مدينة محاصرة من جميع الجهات؟!»
وهنا لم يطق علي خادم السيد عبد الرحمن صبرا على هذه الأسئلة المحرجة المتلاحقة، فقال لعماد الدين: «ما هذه الأسئلة كلها يا سيدي؟ هل رأيتنا طلبنا منك رزقا أو سألناك أي سؤال؟»
فضحك عماد الدين ساخرا وقال له: «إن كنت قد أكثرت من الأسئلة فما ذلك إلا لأنني من رجال الشيخ ضاهر حليف علي بك حاكم مصر، وقد يكون في خروجكما منها بلا سبب معقول ما يضر بمصلحتهما، فأسئلتي قانونية كما تريان.»
فاغتاظ السيد عبد الرحمن من خشونة خادمه وإغلاظه القول لعماد الدين، وبادر إلى انتهاره ترضية لهذا قائلا: «ومن أقامك محاميا عني؟ إن أسئلة السيد كلها من حقه أن يسألها، وإذا صح ظني فهو إنما يريد أن يستفزنا ليحفزنا إلى أن نظهر له ما نعرف من فنون التنجيم وغيرها.»
وهنا كان عماد الدين قد انتهى من تناول الطعام، فالتفت إلى السيد عبد الرحمن وقال له: «أما فنون التنجيم فما أحسب أن في الدنيا من هو أعلم مني بأسرارها وخفاياها، مع أني لا أحمل جرابا، وليس معي كتاب ولا أنا مغربي، فهل تريد أن أقدم لك دليلا عمليا على ذلك؟»
فسبق علي إلى الرد على عماد الدين وقال متحديا: «هذا هو الجراب، وفيه كل أدوات التنجيم ومعداته، فأرنا فنك لعلنا منك نستفيد!» قال هذا ونهض، فجاء بالجراب ووضعه بين يدي عماد الدين، ولكن هذا نحى الجراب جانبا وقال: «لا حاجة بي إلى مثل هذه الأدوات.» ثم التفت إلى السيد عبد الرحمن وقال له: «هل أقول ما علمته بفني عنك؟»
فأوجس السيد عبد الرحمن خيفة من هذا التحدي، لكنه لم يسعه إلا أن هز رأسه موافقا وقال: «قل ما عندك.»
فقال عماد الدين: «إن اسمك عبد الرحمن، فهل هذا يكفي أم أقول أيضا؟»
فأجفل السيد عبد الرحمن وعلي، وأخذ كل منهما ينظر إلى الآخر، وفي نظراتهما دلائل العجب والاضطراب، فتجاهل عماد الدين واستأنف كلامه فقال: «وقد تركت مصر يا سيد عبد الرحمن في جمع كبير من مختلف الأجناس والألوان، ثم تخلفت عنهم في الطريق واتجهت إلى جهة أخرى للقاء بعض الأعزاء، وبينهم ابنك حسن!»
Page inconnue