وقال البخاري (^١): "وقال ابن خُثيم: قلت لسعيد بن جبير: أَقْرأُ خلف الإمام؟ [ص ٧٠]، قال: نعم، وإن كنت تسمع قراءته؛ فإنهم قد أحدثوا ما لم يكونوا يصنعونه، إنَّ السلف كان إذا أمَّ أحدهم الناس كبَّر ثم أنصت حتى يظنَّ أنَّ من خلفه قرأ بفاتحة الكتاب، ثم قرأ وأنصتوا".
انظر أسانيد هذه الآثار في "جزء القراءة" للبخاري (^٢) و"سنن الدارقطني" (^٣) و"السنن الكبرى" للبيهقي (^٤).
فقل لي الآن: أتراهم كانوا قد نُهوا عن قراءة الفاتحة خلف الإمام إذا جهر قبل واقعة حديث ابن أُكَيمة؛ فامتثلوا حتى لم يقرأ في تلك الصلاة إلَاّ رجل واحدٌ، ثم أكَّد النهي في ذلك الحديث، ثم خالفوه كما رأيت؟
فإن جوَّزتَ ذلك عليهم فبأيٍّ عقلٍ تمنع أن يسكت أحدهم عن بيان القرينة الصارفة، اتكالًا على ما تكاثر وتضافر من الأدلة على ما يخالف ذلك الظاهر الضعيف، وعلى ما عُرِفَ من مذهبه ومذهب غيره؟
ولعلَّه ذكر القرينة ولكن أهملها ابن أُكيمة ذلك الرجل الذي لم يحدِّث إلَاّ بهذا الحديث الواحد، ولم يُعرف من عدالته أكثر من كونه حدَّث في مجلس سعيد بن المسيِّب، وهذا إن دلَّ على عدالته بعد اللتيا والتي لا يدلُّ على ضبطه.